إذا كانت الحقوق والحريات تستمد حمايتها من القانون، فإن تقييدها وتضييقها يتِمّان اليوم بموجب القانون. ولم يَحْدث، خلال عقود من الزمن، بينما العالم يعيش جيلا جديدا من الحقوق، أن تعرضت هذه الأخيرة لتضييق شديد مثلما تتعرض له في الوقت الحاضر.
ففي زمن جائحة كورونا، لم تضِع الأرواح فحسب، بل ضاعت كثيرٌ من الحقوق والحريات، ومعها فقَدَ كثير من الناس مصادر عيشهم وتوارى نشاطهم وأخمِدت حيويتهم المعتادة ونال الهمُّ والحَزن من فئات عريضة من المجتمعات.
غير أن التضييق على الحقوق والحريات اختلفت درجاته وحِدَّته من دولة إلى أخرى .. ففي بعض الدول، كانت درجات التضييق عالية، حيث وظّفت الحكومات وباء كورونا كذريعة للقمع ونهج الأسلوب السلطوي وتكميم الأفواه، لاسيما في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وقد تحدّث عن هذه الوضعية، مراسل الشؤون الدولية في صحيفة الإندبندنت، ولبورزو دراغاهي، مراسل الشؤون الدولية، تحت عنوان ’’كيف استخدمت الحكومات كوفيد 19 للتجسس على الناس وقمعهم وضربهم وقتلهم‘‘، حيث قال: إن ’’الأزمة الصحية العالمية التي كان من الممكن أن تجمع البشرية بروح من التضامن استغلها الحكام المستبدون والطغاة في جميع أنحاء العالم لقمع المعارضين السلميين ودحر المكاسب الديمقراطية وتكثيف جهود المراقب‘‘. وخلص الكاتب إلى أن ’’الأنظمة الاستبدادية والقمعية والفاسدة‘‘، استخدمت جائحة كوفيد 19 لإسكات المواطنين والمعارضين ومضايقتهم واعتقالهم، بما في ذلك العاملين الصحيين في الخطوط الأمامية الذين أشادوا بهم علنًا على أنهم أبطال الوباء.
وقد بنى دراغاهي جزءا من استنتاجاته على ما ورد في تقرير ’’منظمة العفو الدولية‘‘ الذي صدر يوم الأربعاء الماضي والمُكوَّن من 408 صفحات. وفي المذكرة التمهيدية للتقرير كتبت أغنيس كالامار ، المديرة العامة الجديدة لمنظمة العفو الدولية، أن ’’زمن الوباء كشف العواقب المدمرة لإساءة استخدام السلطة، من الناحية الهيكلية والتاريخية‘‘.
ووفقا للتقرير المشار إليه، فإنه في بقاع مختلفة من العالم، استخدمت السلطات الوباء كذريعة لمنع المظاهرات ضد عنف الدولة أو القمع السياسي. وتحت ستار تطبيق قواعد الإغلاق .. فعلى سبيل المثال، تم القبض على الممرضات في زيمبابوي لاحتجاجهن للمطالبة بتحسين رواتبهن وظروف عملهن. وأوضح التقرير أن ’’السلطات في جميع أنحاء العالم أصدرت قوانين تجرم انتقاد الوباء. كما تعرض الصحفيون في دول من بينها فنزويلا ومصر والهند وإيران ونيبال والنيجر وجمهورية الكونغو للمضايقة أو الاعتقال لانتقادهم أو حتى كتابة تقارير عن تعامل الحكومة مع الأزمة الصحية‘‘.
وورد في التقرير كذلك، أن “الأنظمة الاستبدادية في الجزائر والأردن والمغرب فرضت حالات الطوارئ التي جرّمت التعبير المشروع عن الوباء‘‘، وأن إسرائيل “استخدمت الوباء لتوسيع استخدام قدرات المراقبة الإلكترونية التي تستهدف الفلسطينيين عادة لتتبع إصابات كوفيد 19‘‘.
ووفقا للتقرير نفسه، كان اللاجئون والمهاجرون عرضة للخطر بشكل خاص في الدول التي أُجبروا فيها على مواصلة العمل أو حُشروا في المعسكرات ومراكز الاحتجاز دون حماية مناسبة. على الرغم من إجراءات الإغلاق ، واصلت الشرطة في فرنسا إجلاء اللاجئين والمهاجرين قسرًا من المخيمات غير الرسمية ، مما جعلهم فعليًا ناشرين محتملين لفيروس كورونا.
ومن الواضح أن الوضع الراهن للحقوق والحريات ابتعد كثيرا عنما كان يُنَظَّرُ له، بل إنه ابتعد عن ذلك المفهوم الذي صاغه الفيلسوف إيمانويل كانط ـ على سبيل المثال ـ منذ ثلاثة قرون تقريبا، في محاولاته لتعريف ’’الحرية‘‘، حيث قال: ’’لا أحد يستطيع إلزامي بطريقته كما هو يريد لأصبح فرحا ومحظوظا، كلّ يستطيع البحث عن حظّه وفرحه بطريقته التي يريد وكما يبدو له هو نفسه الطريق السليم، شرط أن لا ينسى حرية الآخرين وحقّهم في الشيء ذاته‘‘.
(الفهرس)