الرئيس التشادي الراحل إدريس ديبي (صورة AA)

الفهرس

 

مقتل الرئيس التشادي إدريس ديبي يثير تساؤلات وفرضيات حول التوقيت والأسباب والجهات التي دعمت العملية.

وإذا كان الجميع يترقب ما ستؤول إليه الأوضاع في تشاد بعد ذهاب حاكمها القوي، فإن ثمة اهتماما كذلك بالكيفية التي ستتصرف بها القوى الكبرى إزاء الملف التشادي.

وتمثل التشاد نقطة استراتيجية وسط محيطها الإقليمي، فهي بالرغم من أنها دولة داخلية من حيث موقعها الجغرافي إلا أنها تتمع بأهمية كبيرة نظرا لإحاطة سبع دول بها، وهي: ليبيا، والنيجر، ونيجيريا، والكاميرون، وجمهورية إفريقيا الوسطى، والسودان. وبالتالي، فإن هذا الموقع يجعل منها نقطة عبور ونقطة رصد وتتبع للفصائل والتيارات الجارية في هذا المحيط.

وإذا كانت الدولة التشادية تُصَنّف من بين الدول الفقيرة على المستوى العالمي، فإن ذلك يعود للفساد وسوء التدبير وليس لنقص في الموارد الطبيعية. فالبلاد تتوفر على البترول، ولديها مخزون مهم من الذهب والحديد واليورانيوم والمنغنيز والزنك، بالإضافة إلى الموارد المائية التي توفرها ’’بحيرة تشاد‘‘ في الجنوب الشرقي.

 

**التمردات والصراع على السلطة

 

منذ استقلال تشاد عن فرنسا في 11 أغسطس 1960، دخلت البلاد باب الصراعات والانقلابات والتمردات.

ورغم أن حسن حبري استطاع أن يفرض سيادة الدولة على نحو ما منذ أن أصبح رئيسا للبلاد سنة 1982 بعد سيطرته على العاصمة ’’نجامينا‘‘، فإن الصراع على السلطة ظل ساكنا إلى أن تهيّأت الظروف لإدريس ديبي سنة 1990/1991 الذي كان يقود حينئذ ما يسمى بـ ’’حركة الإنقاذ الوطنية‘‘ للإطاحة بحبري والانقضاض على السلطة والبقاء فيها منذ ذلك الحين إلى غاية مقتله في 20 أبريل 2021 بُعيد إعلان نتائج الانتخابات للولاية السادسة والتي جاءت كسابقاتها معلنة فوز ديبي لولاية أخرى لم تشأ الأقدار هذه المرة أن يبدأها،  ليتسلم الحكم مجلس عسكري بقيادة نجله الذي أضحى يمسك بكامل السلطات من غير أن تكون له خبرة سياسية، بينما أعربت المعارضة المسلحة التي تشن هجومها منذ عدة أيام عن عدم اعترافها بالمجلس العسكري وتوعدت بالتقدم نحو العاصمة نجامينا.

 وقد واجه إدريس ديبي طيلة مدة حكمه عدة حركات مسلحة كادت تعصف بنظامه، وتصاعدت وتيرة التمردات بشكل لافت منذ 2004، لاسيما بعد اكتشاف آبار البترول هناك وبدء عمليات تصديره، ومن أبرز الحركات المسلحة:

ـ جبهة الوفاق من أجل التغيير، التي يترأسها محمد مهدي علي؛ وهي حركة مسلحة معظم معسكراتها في الجنوب الليبي. وقد بدأت هجومها في 11 أبريل/نيسان، أي  يوم إجراء الاقتراع.

ـ اتحاد القوى من أجل الديمقراطية والتنمية، يترأسها وزير الدفاع السابق محمد النوري، الذي لجأ إلى فرنسا. وتم اعتقاله بسبب مشاركته في جرائم حرب. وقد خاضت قواته معارك بشكل أساسي في 2006 إلى 2008.

ـ اتحاد قوى المقاومة، وهو تنظيم معارض مسلح يرأسه تيمان إيرديمي من قبيلة ديبي. وقدشن هجمات في 2019 على نجامينا، وتعرضت قواته لقصف جوي فرنسي.

 

**التدخل الأجنبي

 

رغم إعلان استقلال تشاد سنة 1960، ظلت فرنسا مؤثرة على المشهد السياسي للبلاد، بحيث أن جميع الانقلابات العسكرية التي جرت للإطاحة بالسلطة، لم تكن تحدث بمنأى عن التدخل الفرنسي.

وحاولت ليبيا في عهد الراحل معمر القذافي التدخل عبر اصطناع حلفاء لها  من أجل حماية مصالحها، ولا سيما بعد أن وضعت يدها سنة 1975على شريط أوزو ـ الغني باليورانيو والمنغنيز ـ في شمال تشاد.

لكن الكفة مالت لصالح فرنسا التي كانت تتواجد في تشاد بكل ثقلها.

وقد ساعدت فرنسا الرئيس حسن حبري لبسط سيطرته وأمدته بالعتاد والمعلومات والغطاء الجوي عندما كان الرئيس المخلوع كوكوني عويدي على وشك استعادته حكمه بدعم من ليبيا.

لكن فرنسا تخلت عن حليفها، ليس بسبب الفساد وسوء التدبير والاستبداد الذي ميّز نظامه، وإنما بسبب ما اعتبرته باريس خيانة من طرف حبري، عندما علمت أنه سلم سجناء من الجيش الليبي كانت تحتفظ بهم تشاد إلى  وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، دون علم باريس، حسب ما أوردته مجلة ’’لوبوان‘‘ الفرنسية.

ووفق نفس المصدر، فقد قام الأميركيون بتحويل هؤلاء السجناء إلى وحدة من ألفي جندي جَيّدي التجهيز والتدريب يتبعون لما كان يُعْرف بـ ’’الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا‘‘ بقيادة محمد المقريف، وهو معارض للزعيم الليبي الراحل معمر القذافي. وكانت هذه القوات وقتئذ  تعمل تحت إمرة العقيد الليبي  خليفة حفتر وتحت إشراف المخابرات الأمريكية بالقرب من نجامينا.

وحسب المجلة، فإن سلوك حبري وإخفاءه تلك المعلومات عن باريس كان السبب الرئيسي في تخلي الفرنسيين عنه وصرف النظر عن تحركات إدريس ديبي واستعداده لشن هجوم على نجامينا ، بالرغم من أنهم كانوا قادرين على منعه من تحريك قواته لو شاؤوا ذلك.

وعلى أية حال، فقد رأت باريس حينها أن إدريس ديبي أصبح البيدق المناسب لتنفيذ الاستراتيجية الفرنسية في تشاد.

ولا شك في أن ما يحدث في ليبيا له تأثير على تشاد، والعكس صحيح. كما أن وجود قوات وعناصر أجنبية في ليبيا لا بد أن ينعكس على الوضع السياسي التشادي. وفي هذا الصدد، نقلت صحيفة تايمز (The Times) عن مسؤولين أن المتمردين الذين تعهدوا بالاستيلاء على السلطة في تشاد بعد وفاة رئيسها إدريس ديبي هذا الأسبوع، تلقوا تدريبات في ليبيا المجاورة على أيدي مرتزقة روس مرتبطين بالكرملين.

وذكرت الصحيفة البريطانية أن مقاتلي جبهة الوفاق من أجل التغيير بتشاد (فاكت)، كانوا يعملون لدى مجموعة فاغنر -وهي جماعة شبه عسكرية يديرها حليف مقرب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين-، وأنهم تلقوا في ليبيا معدات  وقوات دعم تقدر بنحو ألفي شخص.

وأفاد تقرير الصحيفة بأن روسيا استفادت من الاضطرابات في جيوب أفريقيا لإعادة إشعال نفوذها في القارة التي انهارت بعد الحقبة السوفياتية. ولم يكن هذا واضحا في أي مكان أكثر مما كان عليه في ليبيا ما بعد القذافي، حيث استفادت مجموعة فاغنر  من الروابط مع المتمردين في منطقة يطغى عليه الاضطراب.

واعتبرت سفارة واشنطن لدى طرابلس، أن دخول مرتزقة تشاديين إلى بلادهم انطلاقا من ليبيا، ’’يسلط الضوء مرة أخرى على الحاجة الملحة لجعل ليبيا موحدة ومستقرة مع سيطرة على حدودها‘‘.

 

**نهاية غامضة

 

إدريس ديبي، صاحب السبعين سنة من العمر، وصديق الغرب وإسرائيل، ورجل فرنسا الوفي، لم تلعب لصالحه كل هذه الظروف، ولم يمهله الوقت ليفتتح ولايته الرئاسية السادسة، حيث لقي حتفه على يد المتمردين في نفس يوم الإعلان عن النتائج الانتخابية.

بدأت الفصائل المتمردة هجومها انطلاقا من ليبيا، في الحادي عشر من أبريل، واستطاعت أن تستولي على بعض المناطق في الشمال. وبعد مرور أزيد من أسبوع، انحرف المتمردون، حسب ما أوردت وكالة الأناضول، غربا بموازاة الحدود مع النيجر، بدل التوجه إلى فايا (وسط)، وهجموا على إقليم كانم (غرب) الأقرب إلى العاصمة نجامينا من فايا، إذ لا يبعد عنها سوى بنحو 300 كلم، وهي مسافة ليست بعيدة جدا بمعايير الصحراء.

ثم وقعت معركة مصيرية شمالي كانم، في 17 أبريل، بين المتمردين والجيش الحكومي، الذي كان تحت قيادة الرئيس ديبي وكبار قادة جيشه، بحسب مصادر حكومية ومن المعارضة المسلحة، ما يعكس أهميتها الاستراتيجية في تحديد مستقبل البلاد.

حيث أعلن الجيش الحكومي مقتل نحو 300 متمرد وأسر 150 آخرين، بالإضافة إلى 5 قتلى في صفوفه، مستدلا بصور لبعض القتلى وعشرات الأسرى، ما يؤكد حسمه هذه المعركة لصالحه.

واعترف المتمردون ضمنيا بأنهم انهزموا في كانم، وتحدث زعيم جبهة “التناوب والوفاق” محمد مهدي، في حوار مع “إذاعة فرنسا الدولية”، أنهم نفذوا “انسحابا استراتيجيا” نحو الشمال.

ونشر المتمردون، في بيان مؤرخ في 19 أبريل، أسماء 15 ضابطا كبيرا بين جنرال وعقيد، قتلوا أو أصيبوا أو فقدوا، بينهم الرئيس ديبي ذاته، الذي قالوا إنه ’’أصيب‘‘ دون توضيح.

وبعدها بيوم واحد، وفي ظروف ملتبسة، أعلن الجيش التشادي وفاة ديبي متأثرا بجراحه، وتولي ابنه رئاسة مجلس عسكري، سيقود البلاد في المرحلة الانتقالية طوال 18 شهرا.

ولا تكشف كل هذه المعطيات عن الظروف الحقيقية والكاملة التي أدت إلى مقتل ديبي، إذ ثمة عدة فرضيات تتداولها عدة جهات سياسية وإعلامية.

ويُطرح السؤال حول اسباب عدم تدخل فرنسا لمساعدة حليفها الاستراتيجي وإن كانت قد تخلت عنه مثلما تخلت في السابق عن حسن حبري؟

ويفرض السؤال نفسه عند معرفة أن باريس  تنشر ما لا يقل عن 5 آلاف جندي في العاصمة نجامينا، في إطار عمليات دولية لمحاربة من تصفهم بالمتشددين الإسلاميين في الدول المجاورة.

كما يثور السؤال حول  الجهة أو الجهات المدعمة لجبهة الوفاق من أجل التغيير بتشاد التي نظّمت الهجوم، وأين تلتقي مصالحها بمقتل إدريس ديبي؟ وما هو موقف واشنطن إزاء ما حدث؟

وحول ’’جبهة الوفاق‘‘ تقول شبكة الجزيرة بأنها:

’’فصيل عسكري/سياسي، مناهض لنظام إدريس ديبي، تأسس في تانوا بشمال التشاد، في أبريل/نيسان 2016، وترأسه محمد مهدي علي، المعارض الذي عاش في منفاه الفرنسي 25 سنة قبل العودة لبلاده سنة 2005 وتقلد وظيفة مفتش بوزارة الأشغال العامة، وما لبث أن عاد للمنفى بالسودان مناهضا لنظام ديبي. وما إن بدأت الحرب في ليبيا، سنة 2014، حتى انتقل مهدي علي بفصائله المسلحة إلى ليبيا، وأصبح أحد حلفاء اللواء المتقاعد خليفة حفتر…‘‘.

وحسب مجريات الأحداث، يبدو أن فرنسا، بالرغم من فقدانها لحليفها القوي على مستوى الساحل الإفريقي، إلا أنها تسعى إلى الحفاظ على إرثه، ولذلك، فإنها سارعت إلى الدفاع عن استيلاء الجيش التشادي على السلطة بالرغم مما يمثله ذلك من خرق للنظام الدستوري التشادي.

ويبقى السؤال الأكبر حول مصير الدولة بعد مقتل إدريس ديبي، وهل ستتجنب المكونات العرقية والدينية الدخول في حرب أهلية؟ ذلك أن المعارك التي تقودها المعارضة لم تنته بعد، و لا يُعرف ما مدى تأثير كل ذلك على الجوار الإقليمي.

ـــــــــــــــــ

(هيئة تحرير الفهرس)

مقالات ذات صلة:

ـ  فاغنر الروسية تتمركز في أربع دول إفريقية

ـ  مثلث داعش الجديد في إفريقيا

ـ  فرنسا والعلاقات الاقتصادية غير العادلة مع إفريقيا

X