الريسوني يعرض رأيه حول اتفاقيات المغرب مع إسرائيل، ويتساءل إن كان المغرب في حالة تضطره إلى سلوك هذا المسار، وهل وضعه في الصحراء كان يستدعي ذلك؟

زيارة وزير الدفاع إلى إسرائيل، وعلاقات المغرب بإسرائيل بصفة عامة، ينظر إليها المغاربة من زوايا مختلفة. فهناك المؤيدون لهذه العلاقات وفيهم من يذهب إلى حدّ المبالغة والتطرف، وهناك الرافضون لها لأنهم يرونها أنها تمس بقيم المغاربة وتأتي على حساب الحقوق التاريخية للفلسطينيين، بينما هناك فئة ثالثة قلوب أصحابها مع الفلسطينيين وتمسكهم بقيم المغرب التاريخية قائم لا شك فيه إلا أنهم يرون تلك العلاقات كشرّ لا بُدّ منه نظرا للوضع الصعب الذي يمر به المغرب والضغوط التي تمارسها عليه الجزائر وبعض الدول الأخرى بشأن موضوع الصحراء.

وفي جميع الأحوال، فإن لكل فئة حجتها ومنطقها، لكن يصعب تحديد الفئة الغالبة من حيث العدد في ظل الطوق الذي تفرضه السلطات المغربية حول هذا الموضوع ومنعها لكل تظاهرة ضد التطبيع مع إسرائيل. عِلْمًا أن المعهودَ في تاريخ المغاربة، تضحياتُهم الكبيرة في سبيل القضية الفلسطينية، وخروجهم في مظاهرات مليونية لنصرتها قلّ نظيرها على الصعيدين العربي والإسلامي، ووقوفهم ضد التطبيع بكل أشكاله… لكن المعهود يظل فقط معهودا وليس ساريا إذا لم تؤكِّده وقائع الحاضر، أو إذا تحالفت ضده قوى قَهْرٍ لا يعلو صوتٌ فوق صوتها.

ولعل هذا المقال، تحت عنوان: ’’ المغرب الرسمي في مفترق طريقين‘‘،  المنقول من الصفحة الرسمية للأستاذ أحمد الريسوني، يضعنا أمام وجهة نظر مختلفة تمام الاختلاف عن تلك التي ينسجها المؤيدون للعلاقات المبرمة بين المغرب وإسرائيل، وفيها يعرض صاحبها حججه من زاوية رأي ترمي تفنيد حجج المؤيدين. ونحن ننقلها كما هي، دون إضافة أو تعليق، تاركين للقارئ بناء استنتاجاته.

وهذا نص المقال:

’’علاقة المغرب الرسمي مع العدو الصهيوني لم تعد – كما قيل لنا قبل سنة – مجرد اعتراف بدولة الاغتصاب، مقابل اعتراف الرئاسة الأمريكية بسيادة المغرب على صحرائه..

ولم تعد – كما قيل أيضا – مجرد “استئناف” للعلاقات الدبلوماسية..

بل هي الآن تنغمس تماما في العشق الحرام مع العدو الصهيوني/إسرائيل، وتفتح له كافة الأبواب: اتفاقيات شاملة، وزيارات متلاحقة، وغزوات صهيونية لا تبقي ولا تذر..

ودائما في مثل هذه الحالات فإن القوي يفترس الضعيف، ويجعله في قبضته وفي خدمته، مقابل كسْبٍ موهوم وفتات مسموم.. وفي مثل هذه الحالة أيضا يكتشف الناس لاحقا أن ما خفي أعظمُ وأسوأ مما يظهر الآن.

فهل كان المغرب في حالة اختناق وجفاف تضربه على جميع الأصعدة (في التعليم والأمن والجيش والتسلح والمخابرات والاقتصاد والسياحة والسياسة الخارجية…)، وتضطره إلى سلوك هذا المسار الذليل الخطير، تحت الرعاية والوصاية الصهيونية المباشرة؟ هل كان المغرب على حافة الإفلاس؟ هل كان بحاجة إلى من يسعفه وينقذه من السكتة القلبية، ولم يجد غير النجدة الصهيونية، وعلى حساب القدس وفلسطين؟

من الناحية العسكرية: المغرب مسيطر سيطرة تامة على صحرائه منذ ستة وأربعين عاما. وعاما بعد عام يزداد رسوخه وتحكمه في الوضع. ولا تمر سنة أو بضعة أشهر إلا والانفصاليون يلوحون ويهددون بالعودة إلى الحرب، ثم لا يستطيعون شيئا فيلوذون بالصمت.. ونحن نسمع ونردد من عشرات السنين: المغرب في صحرائه والصحراء في مغربها.

وكذلك أصبحت المخابرات المغربية رائدة وضاربة.. وأصبحت – كما يقال – هي التي تقدم المساعدات والخدمات الاستباقية للأوروبيين وغيرهم..

وأما التسلح فكل دول العالم تعرض لنا ولغيرنا منتجاتها المتطورة ليل نهار.. فالمغرب لا يعاني من حظر التسلح عليه، ولا من نقص في أصدقائه وحلفائه..

فماذا سيضيف لنا العدو الصهيوني في هذه المجالات وغيرها، سوى الاختراق والتوريط والخبال وشراء الذمم وصناعة العملاء؟

من المعلوم أن الغلط الاستراتيجي الذي وقعت فيه وأدْمنته السياسة المغربية منذ استرجاع الصحراء، هو احتكار هذا الملف وتدبيره في الخفاء والظلام، وعدم إشراك الشعب المغربي بأي شكل من الأشكال في المعركة.

نعم كان الاستثناء الوحيد، وهو النجاح الأكبر في هذا الملف، هو إنجاز المسيرة الخضراء لتحرير الصحراء. لقد دُعي الشعب فأجاب عن بكرة أبيه، وتمت المسيرة الخضراء، ملكيةً شعبية مظفرة.. وبذلك اضطرت إسبانيا للانسحاب فورا، وتركت الصحراء لأهلها.

لكن بعد ذلك دخل تدبير الملف في السرية البعيدة عن الشعب ومشاركته، ودخل تدبير القضية في نهج احتكاري لا نرى إلا نتائجه البئيسة وكلفته الباهظة.

وخلال التسعينيات من القرن الماضي قام وزير الأوقاف آنذاك، الدكتور عبد الكبير العلوي المدغري رحمه الله، بمحاولة جريئة لحشد مشاركة شعبية فعالة لخدمة قضية الوحدة المغربية، وتعزيز التلاحم الديني والاجتماعي بين شمالها وجنوبها. فاتصل بأهم الجمعيات الإسلامية بمختلف أنحاء المغرب، وطلب منهم ترشيح أسماء لعدد من خيرة العلماء والدعاة والخطباء والوعاظ، لإرسال أفواجهم تباعا إلى الصحراء، تحت إشراف وزارته.. ولقي طلب الوزير استجابة حماسية، فورية تامة. وبدأ الدعاة يستعدون للذهاب..

وفجأة توقف المشروع وأُلغي!؟

وكان التفسير الراجح يومئذ لهذا التوقيف، هو اعتراض (فيتو) وزير الداخلية إدريس البصري – عفا الله عنه – الذي ظل يمسك وينفرد بملف الصحراء أمدا طويلا، بعيدا عن أي مشاركة شعبية، بل بعيدا عن أي معرفة شعبية بما يجري.

اليوم، وبدل الإقلاع عن هذه السياسة الظلامية اللاشعبية في تدبير معركتنا الكبرى، وبدل العودة بها إلى المشاورات الموسعة، وإلى المشاركات والمسيرات الشعبية، إذا بنا نُفاجأ بسياسة جديدة غريبة، هي أشد توغلا وإمعانا في إبعاد الإرادة الشعبية والمشاركة الشعبية، سياسة مضادة وصادمة ومستفزة للشعب وعقيدته وقيمه ومبادئه ومكانته التاريخية؛ إنها سياسة الاستنجاد بدولة العدو، دولة الاحتلال والعدوان والإجرام.. “وداوني بالتي كانت هي الداء”.

فياحسرة على العباد، وعلى مغرب الأمجاد؛ لقد أصبح يتقزم ويقتفي أثر البحرين والإمارات وبرهان السودان!!‘‘

 

X