العقوبات البديلة، والمؤسسات السجنية، وحق الإضراب، والمسطرة المدنية، ومدونة الأسرة.. مواضيع استحوذت على النشاط التشريعي لسنة 2024
صادق البرلمان خلال سنة 2024 على عدة قوانين نشرت في الجريدة الرسمية وأصبحت جاهزة للتنفيذ وفق ما تضمنته من مقتضيات. ومن بين أهم تلك القوانين: قانون العقوبات البديلة، وقانون تنظيم المؤسسات السجنية وتدبيرها.
وعلى مستوى المبادرات التشريعية، كانت سنة 2024 محطة تقديم عدة مشاريع قوانين، منها ما لا يزال قيد الدرس، ومنها ما صودق عليه في مجلس النواب ولا يزال غير محسوم في أمره في مجلس المستشارين. ومن أبرز تلك المشاريع: مشروع قانون المسطرة المدنية، ومشروع القانون التنظيمي لممارسة حق الإضراب.
وقد استحوذ القطاع الاجتماعي، خلال سنة 2024، على معظم النقاش القانوني العام، فمواضيع من قبيل الصحة وإصلاح صناديق التقاعد كانت مناط نقاش كبير، لكن يظل موضوع ’’مدونة الأسرة‘‘ هو موضوع السنة المنصرمة بامتياز.
وبشكل عام شهدت السنة الثالثة من الولاية التشريعية الحالية تقدم الفرق والمجموعة النيابية بـ 70 مقترح قانون أغلبها تصب في اتجاه تعديل نصوص قانونية إما بالتغيير أو التتميم وهو ما يشكل أزيد من 83% من المبادرات المقدّمة، في حين أن المبادرات المتعلقة بإحداث قانون جديد لم تتجاوز 10 مقترحات. أما مشاريع القوانين المقدمة من طرف الحكومة فقد بلغت 22 مشروعا صودق على 18 مشروعا منها، بينما لا تزال أربعة مشاريع قوانين في طور المناقشة[1].
قانون العقوبات البديلة
صدر قانون العقوبات البديلة رقم 43.22 في 24 يوليوز 2024، ونشر في الجريدة الرسمية عدد 7328 في 22 أغسطس 2024.
والعقوبات البديلة حسب ما نص عليه المشرع ((هي العقوبات التي يحكم بها بديلا للعقوبات السالبة للحرية في الجنح التي لا تتجاوز العقوبة المحكوم بها من أجلها خمس سنوات حبسا نافذا)).
وحُدِّدت العقوبات البديلة فــي: ((العمل لأجل المنفعة العامة؛ والمراقبة الإلكترونية؛ وتقييد بعض الجقوق أو فرض تدابير رقابية أو علاجية أو تأهيلية؛ والغرامة اليومية)).
أما حالات الجنح المستثناة من الحكم فيها بالعقوبات البديلة، فقد حددها القانون في سبع حالات، هــي: ((الجرائم المتعلقة بأمن الدولة والإرهاب؛ والاختلاس أو الغدر أو الرشوة أو استغلال النفوذ أو تبديد الأموال العمومية؛ وغسل الأموال؛ والجرائم العسكرية؛ والاتجار الدولي في المخدرات؛ والاتجار في المؤثرات العقلية؛ والاتجار في الأعضاء البشرية؛ والاستغلال الجنسي للقاصرين أو الأشخاص في وضعية إعاقة)).
وقد جعل المشرع تنفيذ قانون العقوبات يتوقّف على صدور النصوص التنظيمية اللازمة لتطبيقه في أجل أقصاه سنة. لكن رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، أعلن خلال اجتماع في شهر يناير بأن تفعيل القانون سيتم في غضون الأشهر الخمسة المقبلة.
وكان المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج، محمد صالح التامك، قد حذّر من ارتفاع عدد السجناء بعدما بلغ 105 آلاف سجين.
قانون المؤسسات السجنية
صدر القانون المتعلق بتنظيم المؤسسات السجنية وتدبيرها –رقم 10.23- في 24 يوليوز 2024، ونُشِر في الجريدة الرسمية عدد 7328 في 22 أغسطس 2024.
ويتكون هذا القانون من 222 مادة موزعة على سبعة أبواب تتناول عدة مواضيع، كتدبير الاعتقال، والحقوق والواجبات الأساسية للمعتقل، والبرامج والأنشطة المرتبطة بإعادة إدماج المعتقلين، والتدابير التشجيعية والرخص الاستثنائية…
وكان وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، قد أعلن خلال مرحلة مناقشة مشروع قانون المؤسسات السجنية بأن إعداد هذا النص التشريعي جاء تنفيذا لتعليمات الملك محمد السادس وتأكيدا منه على حماية حقوق الإنسان وجعلها في صلب المشروع المجتمعي.
ويتطرق الباب الثالث من القانون الذي ورد تحت عنوان ’’الحقوق والواجبات الأساسية للمعتقل‘‘ إلى مجموعة من القضايا، تتعلق بتزويد المعتقلين بالمعلومات، وحقهم في الاتصال مع العالم الخارجي، والحق في الرعاية الصحية، والحق في التشكي والتظلم، والتأكيد على أن يتم الاعتقال في ظروف إنسانية وآمنة وملائمة للصحة والسلامة، وذلك حسب ما ورد في القانون المذكور.
مشروع القانون التنظيمي للإضراب
من مفارقات قضية الحق في ممارسة الإضراب أنها من القضايا التي نصت عليها كل الدساتير المغربية منذ سنة 1962 لتنزيلها في شكل قانون تنظيمي .. لكن، وبعد مرور أزيد من اثنين وستين سنة لم يحن الوقت لهذا النص التشريعي كي يرى النور…
ومع التغييرات التي أحدثها دستور 2011، بدا وكأن الظروف السياسية والاجتماعية أخذت تسير في صالح إصدار نص يقنن ممارسة حق الإضراب. وقد تطلب الأمر انتظار خمس سنوات كي يحال مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب على مجلس النواب في 6 أكتوبر 2016، ثم على لجنة القطاعات الاجتماعية في 3 فبراير 2017. ومنذ هذا التاريخ ظل المشروع التشريعي حبيس دواليب الإرادات السياسية إلى أن أخرج للمناقشة والمصادقة عليه في مجلس النواب في جلسة عامة في 24 دجنبر 2024 بأغلبية أصوات الحاضرين بنسبة 124 من الموافقين و 41 من المعارضين من أصل 395 عضوا؛ أي خلال جلسة عامة غاب عنها أزيد من 200 نائب من إجمالي عدد أعضاء المجلس؛ ثم أحيل بعد ذلك على مجلس المستشارين بتاريخ 25 دجنبر 2024 وعلى لجنة التعليم والشؤون الثقافية والاجتماعية في 30 دجنبر 2024.
وافقت الحكومة على عدة تعديلات انصبت على المشروع أثناء المناقشة، فحُذفت المادة المتعلقة بالعقوبات الجنائية في حق الداعين للإضراب، وأدخلت تعديلات تمنع المشغل من اتخاذ إجراءات تعسفية ضد المضربين كالطرد أو النقل التعسفي، ولم يؤخذ بالمادة التي كانت تمنع ’’أي إضراب يُنفذ لأهداف سياسية‘‘، وسُمح لكل النقابات التي حازت مقاعد في الانتخابات المهنية بالدعوة للإضرابات بعد أن كان الأمر في الصيغة الأولى للمشروع محصورا في النقابات الأكثر تمثيلا.
لكن مطالب الجمعيات النقابية والحقوقية لا تزال قائمة، وتريد مزيدا من التعديلات ومشاركة وازنة في إعدد المشروع؛ ويبدو أن الحسم في أمر الصيغة النهائية للقانون التنظيمي للإضراب لم يصدر بعد.
مشروع قانون المسطرة المدنية
مشروع القانون المتعلق بالمسطرة المدنية رقم 02.23، أحيل على مجلس النواب في 9 نونبر 2023، وبعد الموافقة عليه أحيل على لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس المستشارين بتاريخ 25 يوليوز 2024.
تلقى مشروع المسطرة المدنية معظم التعديلات التي انصبت على مشاريع القوانين خلال السنة التشريعية 2024، حيث بلغ عدد التعديلات 1161 تعديلا.
وأحدث مشروع قانون المسطرة المدنية جدلا واسعا داخل جمعيات المحامين، وذهب البعض منهم إلى اعتباره ’’غير دستوري ولا يخدم مصلحة المحامين والمتقاضين‘‘ وأنه يهدد استقلالية مهنة المحاماة. ونظموا إضرابا دام 11 يوما احتجاجا على وزارة العدل بسبب غياب مقاربة تشاركية في إعداد مشاريع قوانين المسطرة المدنية والجنائية ومهنة المحاماة. لكنهم قرروا العودة إلى استئناف العمل بعد إجراء سلسلة من اللقاءات والحوارات مع وزير العدل.
مدونة الأسرة
من أعقد الملفات التي طغت على القطاع الاجتماعي خلال سنة 2024: ملف مدونة الأسرة.
يعود تاريخ البدء في عملية إصلاح المدونة إلى 26 شتنبر 2023 عندما صدر بلاغ للديوان الملكي يعلن أن الملك محمد السادس وجه رسالة إلى رئيس الحكومة تتضمن دعوة إلى إعادة النظر في مدونة الأسرة.
هذا، وتطالب عدة هيئات وجمعيات بـ”إعادة النظر في قانون الأسرة وتعديله” بعد 20 سنة على إقراره، وذلك على خلفية قضايا تثير جدلا في البلاد، أبرزها يتعلق بـ”إعادة النظر في الإرث والمساواة فيه”، و”تجريم زواج القاصرات”.
وقد أسند الإشراف العملي على إعداد هذا المشروع إلى مجموعة مشتركة سميت بـ ’’الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة‘‘ مكونة من وزير العدل، والرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، ورئيس النيابة العامة، والأمين العام للمجلس العلمي الأعلى، ورئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ووزيرة التضامن والإدماج الإجتماعي والأسرة.
وفي 30 مارس 2024 تسلم رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، من أعضاء الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة التقرير النهائي حول مراجعة المدونة قصد رفعه إلى الملك محمد السادس.
وفي 23 دجنبر 2024 ترأس الملك جلسة عمل خصصت لموضوع مراجعة مدونة الأسرة دعا خلالها المجلس العلمي الأعلى إلى مواصلة التفكير واعتماد الاجتهاد البناء في موضوع الأسرة .
وفي 26 دجنبر 2024 قدم وزير العدل عبد اللطيف وهبي أمام مجلس الحكومة عرضا موجزا في موضوع تفعيل مقترحات مراجعة مدونة الأسرة.
وتأتي كل هذه الخطوات في ظل تواصل الجدل بين الأحزاب والجمعيات غير الحكومية حول مضامين هذا القانون المرتقب، لاسيما فيما يتعلق بالإرث وزواج القاصرات.
[1] ـ تقريران أعدتهما جمعية سمسم:
- تحميل: تقرير حول حصيلة المبادرة التشريعية للكتل النيابية خلال السنة الثالثة من الولاية التشريعية.
- تحميل: تقرير حول حصيلة أداء اللجان الدائمة بمجلس النواب.
(الفهرس)