المغرب، إسبانيا، فرنسا، نموذجا
حالات الطوارئ والاستثناء والحصار، هي حالات خاصة، وجميعها تعبر عن وضعيات قانونية مؤقتة ذات طابع ظرفي تسري في أوقات استثنائية إلى غاية رجوع الأوضاع إلى حالتها العادية، أي أنها تنتهي بمجرد انتهاء أسبابها. وهي على هذا الترتيب من حيث أسباب قيامها وما يترتب عليها من آثار.
حالة الطوارئ
تُعْلَن حالة الطوارئ لأسباب متعددة، كالكوارث الطبيعية، والأزمات الصحية أو الاقتصادية أو الاجتماعية … إلخ.
وخلال مدة سريان حالة الطوارئ تظل مؤسسات الدولة عاملة ولا يُحَل البرلمان، ويتم “تقييد” بعض الحقوق وليس “تعليقها”. فعلى سبيل المثال، يمكن أن يفرض حظر للتجول في ساعات محددة، وإغلاق بعض المرافق التجارية، وتقييد حركة التنقل، أو احتلال بعض المحلات أو المصانع بصفة مؤقتة إذا اقتضت الضرورة ذلك، وإصدار كل القرارات التنظيمية والأوامر التي من شأنها أن تحافظ على إمداد الأسواق بالمواد الضرورية وضمان استمرارية تقديم الخدمات العمومية، إلى أن تستقر الأوضاع.
أما الجهة المختصة في إعلان حالة الطوارئ، فهي تختلف من دولة إلى أخرى حسب أنظمتها الدستورية والقانونية.
ففي إسبانيا، على سبيل المثال، فإن الفصل 116/2 من الدستور، ينص على أن الحكومة تعلن عن حالة الطوارئ لمدة أقصاها خمسة عشر يوما بموجب مرسوم يقره مجلس الوزراء، ولا يمكن تمديد هذه المدة إلا بعد موافقة مجلس النواب. ويحيل البند الأول من نفس الفصل إلى قانون تنظيمي لتنظيم حالات الطوارئ والاستثناء والحصار.
أما في المغرب، فإن المُشرّع الدستوري لم يَذْكر حالة الطوارئ وإنما تطرق فقط لحالتي الاستثناء والحصار. لذلك، رأينا كيف أن الحكومة اضطرت إلى إصدار مرسوم بقانون لسد الفراغ التشريعي عندما أخذ فيروس كورونا في التفشي مستندةإلأى الفصل 81 من الدستور الذي يخول لها أن تصدر خلال الفترة الفاصلة بين الدورات بالاتفاق مع اللجان التي يعنيها الأمر مراسيم قوانين تُعْرَض لاحقا على البرلمان خلال دورته الموالية العادية قصد المصادقة عليها. وتبعا لذلك، تم إصدار المرسوم بقانون رقم 2.20.292 بتاريخ 23 مارس 2020 ونُشِر بالجريدة الرسمية عدد 6867 مكرر في 24 مارس. والملاحظ أن المرسوم بقانون هذا، لم يتطرق إلى حالة الطوارئ بإطلاق وإنما قيدها بعامل “الصحة”، ثم أسند إعلان “حالة الطوارئ الصحية” وتمديدها إلى رئيس الحكومة بموجب مرسوم يتخذه باقتراح مشترك للسلطتين الحكوميتين المكلفتين بالداخلية والصحة.
و في جميع الحالات، فبعد أن يتم الإعلان عن حالة الطوارئ، بصرف النظر عن الطريقة التي تتبناها الأنظمة الدستورية والقانونية لكل دولة، فإن الجهة المختصة تقوم خلال تلك الفترة باتخاذ جميع التدابير اللازمة بموجب مراسيم وقرارات تنظيمية و إدارية أو بواسطة مناشير و بلاغات.
حالة الاستثناء
في حالة الاستثناء، يكون السبب الداعي إلى قيامها أقوى وأخطر مما هي عليه الأسباب في حالة الطوارئ. فهنا، يتعلق الأمر بأسباب من شأنها أن تهدد الوحدة الترابية للدولة، أو أن تعرقل السير العادي للمؤسسات، أو تحدث اضطرابا خطيرا على مستوى النظام العام. وبالتالي، تمارس الجهات المختصة أثناء حالة الاستثناء سلطات استثنائية دون أن يطلب منها العمل وفق نفس الآليات التي تعمل بها في الظروف العادية.
وبما أن أسباب قيام حالة الاستثناء هي أخطر وأقوى، فإن الآثار القانونية المترتبة عليها تكون بدورها أشد وأصعب. ففي حالة الاستثناء لا يتم فقط “تقييد” بعض الحقوق وإنما “تعليقها” بشكل مؤقت. فبعض الحقوق، كتلك المتعلقة بحرمة المنزل وسرية الاتصالات وحرية التنقل وحرية الرأي والنشر وغيرها، يمكن أن تُعَلّق أو تطالها قيود وتغييرات إذا كانت الضرورة تقتضي ذلك.
وبالرغم من خطورة حالة الاستثناء، فإن مؤسسات الدولة تظل عاملة، و لا يُحلّ البرلمان، كما أن السلطة الاستثنائية والتقديرية للجهة المكلفة بتطبيقات حالة الاستثناء يجب أن لا تتجاوز حدود ظروف الاستثناء.
وتختلف طرق إقرار حالة الاستثاء والجهة المخولة بذلك، مثلما هو عليه الأمر بالنسبة لحالة الطوارئ؛ إذ لكل دولة إجراءاتها الخاصة حسب ما يقتضيه نظامها القانوني.
في فرنسا، وفق الفصل السادس عشر من الدستور، فإن رئيس الدولة هو المخول بإعلان التدابير التي تقتضيها حالة الاستثناء، وذلك بعد استشارته رئيس الوزراء ورئيسي مجلس البرلمان والمجلس الدستوري وتوجيه خطاب إلى الأمة. وبعد مضي ثلاثين يوما، يمكن أن تُحال المسألة إلى المجلس الدستوري من طرف رئيس الجمعية الوطنية أو رئيس مجلس الشيوخ أو ستين عضواً من الجمعية الوطنية أو ستين عضوا من مجلس الشيوخ، وذلك ليقرر ما إذا كانت الأسباب التي استدعت سريان حالة الاستثناء ما تزال قائمة. ولا يجوز حل الجمعية الوطنية خلال تلك الفترة.
وفي إسبانيا، فإن الفصل 116/3 من الدستور، يُخَوّل للحكومة الإعلان عن حالة الاستثناء بموجب مرسوم يتخذ على مستوى مجلس الوزراء بعد إذن مسبق من طرف مجلس النواب. ويجب أن تُحَدَّدَ بشكل صريح الآثار القانونية لحالة الاستثناء والمناطق المعنية بها وأن لا تتجاوز مدة الاستثناء ثلاثين يوما قابلة للتجديد وفق نفس الشروط. بالإضافة إلى ذلك، فإن البند الأول من الفصل 116 من الدستور، يحيل إلى قانون تنظيمي ينظم حالة الاستثناء.
أما في المغرب، فيبدو أن المشرع الدستوري قد حذا حذو فرنسا في جانب كبير. وبالتالي، فإن الملك، باعتباره رئيس الدولة و ممثلها الأسمى (الفصل 42 دستور 2011) هو من يعلن حالة الاستثناء. وفي هذا الصدد، نص الفصل 59 من الدستور على ما يلي:
‘‘إذا كانت حوزة التراب الوطني مهددة، أو وقع من الأحداث ما يعرقل السير العادي للمؤسسات الدستورية، أمكن للملك أن يعلن حالة الاستثناء بظهير، بعد استشارة كل من رئيس الحكومة، ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس المستشارين، ورئيس المحكمة الدستورية، وتوجيه خطاب إلى الأمة. ويُخوَّل الملك بذلك صلاحية اتخاذ الإجراءات التي يفرضها الدفاع عن الوحدة الترابية، و يقتضيها الرجوع، في أقرب الآجال، إلى السير العادي للمؤسسات الدستورية.
لا يُحَلّ البرلمان أثناء ممارسة السلطات الاستثنائية.
تبقى الحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في هذا الدستور مضمونة.
تُرفع حالة الاستثناء بمجرد انتفاء الأسباب التي دعت إليها، وباتخاذ الإجراءات الشكلية المقررة لإعلانها ’’ (انتهى الاقتباس).
وقد عرف تاريخ االمغرب الحديث تطبيق حالة استثناء واحدة بموجب الفصل 35 من دستور سنة 1962؛ حيث أعلن الملك الراحل الحسن الثاني حينها حالة الاستثناء في 7 يونيو 1965، وحلّ البرلمان، واستمر الوضع قائما إلى تاريخ 7 يوليوز 1970. و خلال هذه المرحلة تركزت كل من السلطتين التنفيذية والتشريعية في يد الملك.
حالة الحصار
حالة الحصار (Etat de Siège – Estado de Sitio)، هي أخطر الحالات الاستثنائية، سواء من حيث الأسباب التي تستدعيها أو من حيث الإجراءات والآثار المترتبة عليها. وهي حالة مؤقتة تنتهي بانتفاء أسبابها.
تنشأ حالة الحصار، وفق مضمون العديد من التجارب الدستورية والقانونية الدولية، عندما تتعرض الدولة إلى خطر كبير، قد يكون بسبب هجوم خارجي عليها أو احتلال لأراضيها، وقد يكون كذلك بسبب تمرد داخلي وخروج على السلطة يمنع الدولة من فرض قراراتها وبسط سيادتها.
وفي جميع الحالات، فإن حالة الحصار هي إجراء قانوني يخوله الدستور والتشريع للسلطة الحاكمة لتلجأ إليه كلما كان هناك ما يهدد النظامين العام والدستوري بالتقويض.
وتترتب على حالة الحصار إجراءات خطيرة تتولى تطبيقها السلطة المختصة. فخلال هذه الفترة يجوز تعليق بعض الحقوق، و يُفرض حظر التجول، ويتولى الجيش قيادة العمليات الأمنية. وفي بعض الحالات الخطيرة، قد تقام محاكم عسكرية للنظر في بعض الجرائم.
في فرنسا، ينص الفصل 36 من الدستور، على أن فرض حالة الحصار يتم بأمر من مجلس الوزراء، وأنه لا يجوز تمديدها لأكثر من اثنى عشر يوماً إلا بإذن من البرلمان.
وينظم حالة الحصار في فرنسا قانون قديم، لحقته بعض التغييرات، وهو القانون الصادر في 8 أغسطس من سنة 1849.
وفي إسبانيا، ينص الفصل 116/4 من الدستور، على أن حالة الحصار يتم إعلانها بواسطة الأغلبية المطلقة لمجلس النواب بعد طلبٍ تقدمه إليه الحكومة، وأن مجلس النواب يحدد المناطق التي ستشملها تطبيقات حالة الحصار ومدتها.
وينظم حالة الحصار في إسبانيا، القانون التنظيمي الصادر في 1 يونيو من سنة 1981 المتعلق بحالات الطوارئ والاستثناء والحصار.
أما في المغرب، ورد ذكر حالة الحصار في الوثيقة الدستورية لسنة 2011 في فصلين، دون أن ينص المشرع الدستوري على الأسباب الداعية لقيامها مثلما فعل مع حالة الاستثناء.
وينص الفصل 74 من الدستور على أنه يمكن الإعلان لمدة ثلاثين يوما عن حالة الحصار، بمقتضى ظهير يوقعه بالعطف رئيس الحكومة، ولا يمكن تمديد هذا الأجل إلا بالقانون. أما الفصل 49 من الدستور، فإنه ينيط التداول في مسألة حالة الحصار إلى المجلس الوزاري.
يستلزم، إذن، إقرار حالة الحصار في المغرب، إجاراءين: الأول، يتمثل في الإعلان عن حالة الحصار، بعد التداول بشأنه على مستوى مجلس الوزراء، بظهير يوقعه بالعطف رئيس الحكومة، وتحديد مدة سريانه في ثلاثين يوما. الإجراء الثاني، قائم على أساس إسناد الاختصاص لتمديد مدة حالة الحصار إلى القانون، أي إلى السلطة التشريعية، وهو ما لم يرد بشأن حالة الاستثناء، حيث هنا، يكون الملك هو من له الحق في إعلان حالة الاستثناء وإنهائها إلى حين عودة الأمور إلى حالتها العادية.
وتجب الإشارة، أنه لم يحدث أن شهد تاريخ المغرب الدستوري قيام حالة حصار، بل فقط الإعلان عن نية تطبيقها من طرف الملك الحسن الثاني، وذلك على إثر بعض المظاهرات التي شهدها المغرب سنة 1991 المتصلة بما كان يجري في العراق بعد غزوه للكويت. ومن بين قاله الملك أثناء تلك الأحداث في خطاب 15 يناير 1991:
‘‘أما فيما يخص الأمن فبمقتضى الدستور هيأنا ظهيرا شريفا لم نضع عليه طابعنا إلى الآن، ونرجو ألا نضطر لذلك. وفي هذا الصدد قررنا إذا وقعت ولو إشارة واحدة وليس إخلالا أن نعلن حالة الحصار التي يخولها لنا الدستور والقانون…’’.
(الفهرس/تسعيد منصفي التمسماني)