الفهرس الرباط ـ محمد بندريس ـ AA ـ 

تسدل سنة 2020 ستارها على وقع نشاط دبلوماسي مغربي مكثف للمساهمة في حل الأزمة الليبية، مع ترجيح باستمرار هذا الجهد بالتضافر مع مساعي دول أخرى لإنهاء النزاع في البلد الغني بالنفط.

واحتضنت مدينة بوزنيقة شمالي المغرب ثلاث جولات للحوار بين المجلس الأعلى للدولة الليبي (نيابي- استشاري) ومجلس نواب طبرق (شرق).

فيما عقدت جولة رابعة في مدينة طنجة (شمال)، إضافة إلى اجتماع تشاوري لتوحيد مجلس النواب بشقيه (طربلس- طبرق).

ويذهب العديد إلى أن تحركات المغرب تأتي من منطلق ثقة الفرقاء الليبيين والأمم المتحدة في قدرتها على المساعدة في “تصفير خلافاتهم”، فيما يرجح آخرون استمرار المملكة في لعب “أدوار أكبر” لتقريب وجهات النظر بينهم في 2021.

وبموازاة المغرب، تبذل دول أخرى بينها تونس ومصر جهودا لحل الأزمة في جارتهما، عبر إجراء اتصالات وعقد لقاءات واستضافة جولات حوار، منها أول اجتماع مباشر لملتقى الحوار السياسي الليبي بتونس في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، برعاية الأمم المتحدة.

    ** الصخيرات.. البداية

​​​​​​​إلى عام 2015، يعود ارتباط المغرب بالملف الليبي، إذ برعاية الأمم المتحدة، وقع طرفا النزاع في 17 ديسمبر/ كانون الأول من العام ذاته، اتفاقا سياسيا بمدينة الصخيرات، في محاولة لإنهاء سنوات من الصراع المسلح.

ونتج عن اتفاق الصخيرات تشكيل مجلس رئاسي يقود حكومة الوفاق، إضافة إلى التمديد لمجلس النواب، وإنشاء مجلس أعلى للدولة. لكن الجنرال المتقاعد خليفة حفتر سعى طيلة سنوات إلى تعطيل  الاتفاق وإسقاطه.

وشنت قوات حفتر في 4 أبريل/ نيسان 2019، هجوما للسيطرة على العاصمة طرابلس (غرب)، مقر الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا.

وعلى وقع سلسلة انتصارات للجيش الليبي مكنته من طرد قوات حفتر من طرابلس في 4 يونيو/ حزيران 2019 ثم من مدن أخرى، تصاعدت تحركات دبلوماسية لاستئناف العملية السياسية.

وفي نهاية يوليو/تموز الماضي، زار كل من رئيس المجلس الأعلى للدولة الليبي خالد المشري، ورئيس مجلس نواب طبرق (شرق)، عقيلة صالح (موالي لحفتر)، الرباط، في اليوم نفسه، لكنهما لم يعقدا اجتماعا معا، بل لقاءات منفصلة مع مسؤولين مغاربة.

وفي أغسطس/آب الماضي، أعلن المشري استعداده للقاء عقيلة في المغرب “علنيا وبضمانات دولية”.

وقال المشري إن “هناك جهودا تُبذل من طرف المغرب، تحت رعاية الملك محمد السادس، للدفع بالجهود الدبلوماسية لحل الأزمة الليبية”.

ويسود ليبيا، منذ 21 أغسطس/ آب الماضي، وقف لإطلاق النار أعلنته كل من حكومة الوفاق ومجلس نواب طبرق، إلا أن قوات حفتر تنتهكه من آن إلى آخر، وتستمر في تحشيد المرتزقة والأسلحة، وفق الحكومة.

    ** بوزنيقة وطنجة

في 6 سبتمبر/ أيلول الماضي، انطلقت جولات حوار بين وفدين من المجلس الأعلى للدولة ومجلس نواب طبرق.

وعُقدت ثلاث جولات من الحوار في بوزنيقة، الأولى بين 6 و10 سبتمبر، والثانية من 2 إلى 6 أكتوبر/ تشرين الثاني الماضي، أما الثالثة فبين 3 و5 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.

فيما احتضنت طنجة جولة رابعة، بين نهاية نوفمبر الماضي و2 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، بحثت معايير اختيار شاغلي المناصب السيادية، وهو المحور الذي يقتصر عليه الحوار الليبي في المغرب.

ووفق المادة “15” من اتفاق الصخيرات، تتمثل المؤسسات السيادية في محافظ مصرف ليبيا المركزي، ورئيس ديوان المحاسبة، ورئيس جهاز الرقابة الإدارية، ورئيس هيئة مكافحة الفساد، ورئيس وأعضاء المفوضية العليا للانتخابات، ورئيس المحكمة العليا والنائب العام.

كما احتضنت طنجة، بين 23 و28 نوفمبر، أعمال الاجتماع التشاوري لتوحيد مجلس النواب الليبي، بحضور أكثر من 120 نائبا من طرابلس وطبرق.

واتفق النواب، وفق بيان ختامي، على عقد جلسة موحدة لمجلس النواب في مدينة غدامس الليبية (جنوب غرب).

    ** تصفير الخلافات 

نبيل زكاوي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله (حكومية) في مدينة فاس (شمال)، قال، إن “سنة 2020 شهدت تنشيطا لدبلوماسية الوساطة المغربية لحل الأزمة الليبية، تحت رعاية الأمم المتحدة”.

ويتابع: “احتضان البلاد لأربع جولات من الحوار بين أطراف النزاع، يؤكد استمرار ثقتهم وثقة الأمم المتحدة في قدرة المغرب على تصفير الخلافات بين المتحاورين، عبر إيجاد حل نهائي للأزمة بناء على مكتسبات جولات الحوار”.

ويُرجع هذا الدور إلى أن “المغرب حريص على أن يكون صانعا للسلام، ليس في ليبيا فحسب، وإنما في منطقة المغرب العربي ككل”.

وتضم المنطقة المغاربية خمس دول، هي المغرب، وليبيا، والجزائر، وتونس وموريتانيا.

ويردف: “النفس الذي يتحرك به البلد تجاه هذه الأزمة هو إقليمي بالدرجة الأولى، فالمردود السياسي لحل الأزمة سيعم لا محالة على دول الجوار، وسيعيد فتح قوس حلم بناء مغرب عربي موحد، بعد أن يستتب الأمن والاستقرار في إحدى دوله (ليبيا)، التي انزلقت إلى درك الدول الفاشلة”.

ويرى زكاوي أن “طي ملف الأزمة الليبية مستقبلا من على أرض المغرب، يمكن أن يرتقي بوزن المملكة الإقليمي، عبر تبلور قوة ناعمة ناشئة قادرة على التأثير في ملفات وقضايا دولية”.

وتتواصل حاليا اجتماعات ملتقى الحوار السياسي الليبي عبر تقنية الاتصال المرئي، بمشاركة بعثة الأمم المتحدة في ليبيا.

كما تتواصل اجتماعات لجنة قانونية مُكلفة بالمشاركة، مع لجنتين من المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب، في إعداد قانون لإجراء انتخابات عامة اتفق الفرقاء الليبيون، في تونس، على إجرائها في 24 ديسمبر/ كانون الأول 2021.  

    **  أدوار أكبر 

سلمان بونعمان، أستاذ العلوم السياسية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله  في فاس، يعتبر أن “الرباط قامت باحتضان ورعاية الفرقاء الليبيين لتدبير الأزمة بكل حيادية ونزاهة، بالرغم من نسف اتفاق الصخيرات”.

ويضيف بونعمان  أن “البلاد كسبت احترام طرفي الأزمة، لذلك ستستمر في لعب أدوار أكبر لتقريب وجهات النظر خلال 2021، بمنطق التوافق والتشارك والتعاون”.

ويستطرد: “البلاد ستواصل مساعيها لحل الأزمة الليبية من منطلق إيمانها الراسخ بأن استقرار منطقة شمال إفريقيا هو من استقرار ليبيا، خاصة في ظل تحدي التدخل الخارجي وصراع إرادات إقليمية ودولية في الرقعة الليبية”.

X