الفهرس
أزمة سد النهضة، أو أزمة ’’النيل‘‘، هي قضية مفصلية عند المصريين، وتمنح بعض الأقلام جرأة لا تمنحها لهم باقي القضايا في انتقاد النظام.
هكذا كان حال التدوينة، أو بالأحرى، المقال، الذي نشره الكاتب والصحفي المصري المعروف، عبد الناصر سلامة، في صفحته الشخصية على الفايسبوك، أمس الاثنين.
وقد لاقى المقال رواجا كبيرا، وتداوله رواد المواقع الاجتماعية بكثافة، وتناقلته الصحف العربية بشكل كبير، نظرا لما تميّز به من جرأة، جعلت صاحبه يخاطب رأس النظام بالقول: ’’افعلها يا ريّس‘‘؛ دون خوف من تبعات الموقف وبطش السلطة المعهود فيها مع المعارضين لها.
وعبد الناصر سلامة، كاتب صحفي مصري، يقيم في القاهرة، وشغل سابقا منصب رئيس تحرير جريدة الأهرام المصرية، كما سبق له أن نشر مقالا جريئا حول موضوع أزمة النيل تحت عنوان ’’الحقيقة الغائبة في أزمة السد الإثيوبي‘‘ في 4 من شهر أبريل/نيسان من السنة الجارية.
استهل الكاتب سلامة مقاله الأخير، بطرح سؤال حول مسؤولية الرئيس المصري بشأن أزمة سد النهضة، قائلا:
’’لماذا لا تكون لدى الرئيس عبدالفتاح السيسي الشجاعة الأدبية والأخلاقية، ويعلن مسئوليته المباشرة عن الهزيمة الثقيلة أمام إثيوبيا، وإضاعة حق مصر التاريخي في النيل، عندما منح الشرعية للسد موضوع الأزمة بالتوقيع على اتفاقية ٢٠١٥ المشئومة، (وكان يدرك عواقب ما يفعل)، ثم عندما منحه الشرعية مرة أخرى باللجوء لمجلس الأمن دون إعداد جيد، وقبل ذلك عندما تغاضى عن بدء البناء، ثم عندما عجز عن اتخاذ قرار عسكري يعيد القيادة الإثيوبية المتآمرة إلى صوابها، وأيضاً عندما فشل في حشد التأييد الدولي لقضية عادلة، على الرغم من إنفاق مليارات الدولارات لشراء السلاح وغير السلاح من الدول المؤثرة‘‘.
وعن موجبات الأمانة والشجاعة، علق سلامة:
’’الأمانة والشجاعة تقتضيان خروج الرئيس إلى الشعب بإعلان تنحيه عن السلطة، وتقديم نفسه لمحاكمة عادلة، عن كل ما اقترفته يداه، من تنازل عن جزيرتي البحر الأحمر، وحقلي غاز البحر المتوسط، ومياه النيل، وإهدار ثروات مصر على تسليح لا طائل من ورائه، وتكبيل البلاد بديون باهظة لن تستطيع أبداً سدادها، وإشاعة حالة من الرعب والخوف بين المصريين بتهديدهم بنشر الجيش خلال ٦ ساعات، وتقسيم المجتمع طائفياً ووظيفياً وفئوياً بخلق حالة استقطاب غير مسبوقة، وسجن واعتقال عشرات الآلاف بمبرر ودون مبرر، وتحويل سيناء إلى مقبرة لجنودنا وضباطنا نتيجة إدارة بالغة السوء لأزمة ما كان لها أن تكون، ناهيك عن عشرات الاتهامات التي سوف تتكشف في أوانها‘‘.
وأضاف سلامة: ’’ليتك ياسيادة الرئيس اقتنعت مبكراً بالحقيقة المؤلمة التي كشفت عنها جلسة مجلس الأمن، وهي ألاّ نصير لك في العالم، وما هذه أبداً بمصر على امتداد تاريخها القديم والحديث معاً، والأسباب تعلمها جيداً‘‘.
وطالب سلامة الرئيس السيسي بالتنحي من أجل مصر:
’’افعلها وتنحى يا سيادة الرئيس من أجل إنقاذ مصر إذا كنت بالفعل مصرياً، هي الحسنة الوحيدة التي سيذكرها لك العالم وتمحو من ذاكرتهم تهمة الانقلاب التي تؤرقك والتي كانت سبباً في معظم التنازلات الخارجية، افعلها حتى يكون لدى القوات المسلحة حرية التصرف قبل فوات الأوان، وسوف تجد هذه القوات دعماً غير مسبوق من كل فئات الشعب إن هي فعلت ما يجب، مع الوضع في الاعتبار ألّا شرعية لأحد لم يدافع عن النيل‘‘.
وختم سلامة مقاله الجريء بالفقرات التالية، قائلا:
’’يكفي أن الأُمَّة المصرية قد شاهدت، كما شاهد العالم أجمع، أن رئيس مصر كان يمتطي دراجة هوائية للتنزه في مدينة العلمين الجديدة بالتزامن مع جلسة مجلس الأمن التي كانت تناقش قضية مصر الوجودية، في استخفاف بالغ بشعب، كان يتابع الأحداث على الهواء مباشرة عبر شاشات التليفزيون، بمشاعر من الغضب والحزن على ما سيؤول إليه مصير أبنائهم وذرياتهم، من التعامل مع مخلفات الصرف الصحي في الطعام والشراب، وحتى الوضوء.
سوف نستبعد نظرية المؤامرة، والخيانة، والعمالة، وكل ماهو مطروح في الشارع حالياً، نأمل فقط أن تستطيع إثبات أن الموضوع كان مجرد خطأ في التقدير نتيجة حُكم الفرد والانفراد بالقرار، حين ذلك لن تكون هناك العقوبة القصوى، رغم إنني شخصياً أشك في ذلك.
افعلها وتنحى فوراً دون إضاعة مزيد من الوقت، وإذا لم يكن من أجل مصر، فمن أجلك أنت، أُكرر: من أجلك أنت، ذلك أن عمليات التغييب والخداع لم تصمد أبداً في كل الديكتاتوريات التي مر بها العالم، لابد لها أن تتآكل شيئاً فشيئاً، حتى وإن دامت طويلاً بكتائب ولجان إلكترونية فاشلة، وهيمنة على إعلام بائس.
وقد أثار مقال عبد الناصر سلامة تفاعلات كثيرة، كما أثار مخاوف بشأن ما قد يتعرض له الكاتب في المستقبل من الآلة القمعية للنظام .. لكن المقال حرّك مياها راكدة، وأيقظ مشاعر غضب نائمة. وأزمة النيل هي أمر جلل، والمصريون واعون بذلك تمام الوعي، على اختلاف مستوياتهم وانتماءاتهم. وبالتالي، فإن أي تفريط في أمن مصر المائي والغذائي لا شك وأنه سيعود على صاحبه بغضب الشعب ولعنته وملاحقته إياه أينما حل وارتحل.