الفهرس ـ AA ـ
بعد عقد من الزمن وأكثر، وجدت المحكمة الجنائية الدولية تجاوبا حكوميا سودانيا كبيرا في ملف مرتكبي التجاوزات بإقليم دارفور غربي البلاد، وعلى رأسهم الرئيس المخلوع عمر البشير.
وفي زيارة مدعية المحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا، التي بدأت السبت وتنتهي الأربعاء، قابلها أعضاء مجلسي السيادة والوزراء بتصريحات أبدت استعدادا في التعاون لتحقيق العدالة بشأن متهمي دارفور.
أربعة لقاءات عقدتها بنسودا مع شخصيات، أبرزها نائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي”، ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك، أكدت جميعها الاتفاق على ضرورة حسم الملف.
الزيارة التاريخية جاءت في إطار قرار مجلس الأمن الدولي، في 31 مارس/ آذار 2005، بإحالة ملف مرتكبي التجاوزات في دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية.
ودارفور التي تسببت في وصول اسم البشير للجنائية، تشهد منذ 2003، نزاعا مسلحا بين القوات الحكومية وحركات متمردة، أودى بحياة حوالي 300 ألف شخص، وشرد نحو 2.5 مليون آخرين، وفق الأمم المتحدة.
وفي مارس/ آذار 2009، أصدرت الدائرة التمهيدية في المحكمة الدولية مذكرة اعتقال بحق البشير بتهم “ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية”، وكانت الأولى من نوعها بحق رئيس دولة يمارس مهامه منذ تأسيسها في 2002.
وبعدها بأربعة أعوام تقريبا، أصدرت مذكرة اعتقال ثانية بتهمة “الإبادة” بحق البشير، لكن السودان ظل على مدار سنوات يرفض التعاون مع الجنائية بوصفها “أداة استعمارية”.
لكن مع تغير الأوضاع السياسية والسلطة الحاكمة بعد الإطاحة بنظام البشير على إثر ثورة شعبية، فإن الخيارات التي بحثتها بنسودا في السودان أصبحت قابلة للتطبيق، حسب محللين.
** قابلة للتطبيق
والإثنين، أعلنت الحكومة السودانية، أنها بحثت مع المحكمة الجنائية الدولية، 3 خيارات بهذا الشأن، وهي “تشكيل محكمة خاصة، أو هجينة (مختلطة بين السودان والمحكمة)، أو مثول المتهمين أمام المحكمة في لاهاي”.
ويبدو أن نقاشات الحكومة مع الجنائية الدولية تحمل توجها عاما، وفق محللين، لأن الاختلاف يكمن في تفاصيل هذا التعاون بناءً على الخيارات المطروحة والتي تتجاوز تسليم البشير ورفاقه الآخرين للمحكمة.
ويرى البعض أن تشكيل محكمة هجينة في السودان هو القرار الصائب، باعتبار أن تسليم البشير ورفاقه يمس سيادة البلاد، فيما يعتقد آخرون أن قوانين السودان غير صالحة لمحاكمته.
الكاتب والمحلل السياسي أنور محمد سليمان، قال: “المرجع هو أن الاختصاص الأصيل للقضاء السوداني لمحاكمتهم، لكن لاعتبارات تتعلق بالقوانين أصبح الاختصاص للجنائية الدولية”.
وأضاف أن القرار بهذا الشأن لدى المدعية الجنائية في تحديد كيفية ومكان المحاكمة، “ولا أعتقد أن هناك أي مانع للحكومة في تطبيق أي من الخيارات الثلاث”.
وقال أيضا: “توقعت ألا تقتصر مقابلة المدعية العامة على سياسيين فقط، لأنها جهة عدلية دولية وعليها مقابلات مسؤولي القضاء لمعرفة مدى استقلاله”.
** عدم الإفلات
رئيس تحرير صحيفة “المواكب” (مستقلة) يوسف سراج، رأى أن هناك اتفاقا وتعاونا واضحين بين الحكومة والجنائية بشأن “مبدأ عدم الإفلات من العقاب في جرائم دارفور”.
وأضاف أن “عدم الإفلات هذا أيضا مرتبط بالاتفاق الذي وقع بين الحكومة والحركات المسلحة في الجبهة الثورية في جوبا يوم 3 أكتوبر (تشرين الأول) الجاري”.
وقال سراج: “هذه الحركات مجمعة على عدم الإفلات من العقاب لكل من ارتكب جرائم في دارفور”.
وأوضح فيما يتعلق بخيار المحكمة الخاصة، فإنها ستكون من مهام الجنائية الدولية، “وأن تأتي إلى الخرطوم لهذا الغرض أمر صعب، لأنه يحتاج دعما لوجستيا كبيرا”.
تابع: “أما المحكمة الهجينة (المختلطة) فهي مرتبطة بقضايا أخرى مثل رأي أصحاب المصلحة (محامو دارفور وممثلو الضحايا) الذين يعتبرون قوانين البلاد ناقصة وتتطلب تعديلا”.
وأشار إلى أن المحكمة الجنائية تنظر للبشير كمعوق للعدالة لعدم تسليم متهمين سابقين أثناء رئاسته للسودان (1989-2019) أو مثوله هو شخصيا أمام المحكمة “لذلك فإن خيار تسليمه ورفاقه إلى لاهاي يبقى ماثلا”.
وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية، في 2007 و2009 و2010 و2012، مذكرات اعتقال بحق البشير وكذلك وزير الدفاع الأسبق عبد الرحيم حسين، ووزير الداخلية الأسبق أحمد محمد هارون، بتهم جرائم في دارفور.
وتعالت مطالب هيئة محامي دارفور (مدنية)، تزامنا مع زيارة بنسودا، ودعت السلطات الحكومية والعدلية تسهيل مهمة المدعية الجنائية بخصوص مثول الأشخاص الذين صدرت بحقهم أوامر قبض.
وأضافت في بيان: “سنخاطب مجلسي السيادة والوزراء بضرورة الوفاء بتعهدات والتزامات السودان الدولية، بالتعاون مع المحكمة وتسليم جميع مرتكبي الجرائم لمحكمة الجنايات الدولية، وتسهيل أي إجراءات بهذا الشأن”.