يوم الأربعاء 28 يوليو/تموز 2021، عرض وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الادارة، محمد بنشعبون، أمام لجنتي المالية بغرفتي البرلمان، ’’الإطار العام لإعداد مشروع قانون المالية للسنة الموالية‘‘.
بعد ذلك، توصلت بعض الصحف المغربية، بنسخة من الإطار العام المقدم من طرف وزير الاقتصاد والمالية. وحسب ما ورد في مضمونه، فإن من أولويات مشروع قانون المالية لسنة 2022: الشروع في الإصلاح التدريجي لصندوق المقاصة (نظام الدعم).
ويقتضي تنزيل هذا الإصلاح، حسب وثيقة الإطار العام المذكور، المرور عبْر ثلاث مراحل: الأولى عام 2022 وتشمل التحرير التدريجي للسكر وتقليص دعم الدقيق الوطني للقمح اللين؛ والثانية عام 2023 وتشمل تحريرا كليا لدعم الدقيق الوطني للقمح اللين والسكر وخفض دعم غاز البوتان (أسطوانات الغاز المنزلي) بنسبة 50 بالمئة؛ وأما المرحلة الثالثة والأخيرة عام 2024، فإنها تشمل تحريرا كاملا لغاز البوتان.
لكن وزارة الاقتصاد والمالية، عادت وسحبت من نسخة الإطار العام المذكور الجدولةَ الزمنية المتعلقة بالتحرير التدريجي للسكر والدقيق والغاز، وأبقت فقط على نص عام مفاده، أن من أولويات مشروع قانون المالية لسنة 2022 ’’الشروع في الإصلاح التدريجي لصندوق المقاصة وفقا لمقتضيات القانون الإطار المتعلق بالحماية الاجتماعية موازاة مع تعميم التعويضات العائلية‘‘.
ويجب التأكيد هنا، أن ما قدمه وزير الاقتصاد والمالية أمام لجنتي المالية بغرفتي البرلمان، هو ما يسمى، وكما سبقت الإشارة، بــ ’’الإطار العام لإعداد مشروع قانون المالية للسنة الموالية‘‘، ويمكن تنزيل نسخة منه من الموقع الرسمي لوزارة الاقتصاد والمالية من طرف العموم، وهو عبارة عن نص يتضمن توجّهات عامة، ويتم عَرْضُه، حسب المادة 47 من القانون التنظيمي 130.13 لقانون المالية، من طرف وزير الاقتصاد والمالية، ويتضمن المحاور الآتية: 1-تطور الوضعية الاقتصادية الوطنية؛ 2-تقدم تنفيذ قانون المالية للسنة الجارية إلى حدود 30 يونيو من نفس السنة؛ 3-المعطيات المتعلقة بالسياسة الاقتصادية والمالية؛ 4-البرمجة الميزانياتية الإجمالية لثلاث سنوات. ويكون هذا العرض موضوع مناقشة دون أن يتبعها تصويت.
ومن ثمة، لا يجب الخلط بين ’’الإطار العام لإعداد مشروع قانون المالية…‘‘، وبين ’’ مشروع قانون المالية للسنة الموالية‘‘ المنصوص عليه في المادة 48 من القانون التنظيمي لقانون المالية، كما فعلت بعض الصحف المحلية، لأن هذا الأخير، يتم إيداعه بالأسبقية بمكتب مجلس النواب في 20 أكتوبر من السنة المالية الجارية، ليحال بعد ذلك إلى اللجنة المكلفة بالمالية بمجلس النواب قصد دراسته. ويبت فيه مجلس النواب داخل أجل 30 يوما الموالية لتاريخ إيداعه، بينما يبت فيه مجلس المستشارين داخل أجل 22 يوما الموالية لعرضه عليه، وفق الإجراءات المنصوص عليها في القانون التنظيمي لقانون المالية.
أما السؤال المطروح هنا، فيتعلق بالأسباب التي دفعت وزارة الاقتصاد والمالية إلى سحب الجدولة الزمنية المفصلة إلى غاية سنة 2024 بشأن الإصلاح التدريجي لصندوق المقاصة؟
هل يتعلق الأمر بخطأ تقني كما ذكرت ذلك صحيفة ’’هسبريس‘‘ الإلكترونية عن مصدر مطلع؟ أم أن الشروط والمعطيات الإدارية ما زالت لم تتهيأ للشروع في إصلاح صندوق المقاصة وفق الجدولة المعلن عنها، ولا سيما في ظل انتظار إعداد ’’السجل الاجتماعي الموحد‘‘ الذي من شأنه تحديد الفئات المستحقة للدعم؟ أم أن السبب الحقيقي يكمن في دواع سياسية ترتبط بالانتخابات المقبلة ورغبة مكونات الحكومة الحالية، تأجيل موضوع إصلاح صندوق المقاصة، نظرا لحساسيته وعدم شعبيته، إلى ما بعد الانتخابات حتى لا يؤثر الموضوع المطروح على حظوظ الأحزاب المتنافسة، وبالذات، على تلك المتواجدة حاليا في الحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية؟
ويكتسي ملف إصلاح صندوق المقاصة طابعا معقدا، نظرا لصعوبة تطبيقه، ولما يتميز به من حساسية عالية، باعتباره إصلاحا لا يحظى بتأييد شعبي، بسبب مخاوف من سوء تطبيقه.
فإلغاء نظام الدعم وتعويضه بدعم مالي مباشر للأسر الفقيرة ومحدودي الدخل وفق ما أوصت به لجنة مراقبة المالية العامة بمجلس النواب في يوليو/ تموز 2014، يصطدم بصعوبات كثيرة، من أبرزها تحديد الخط الفاصل بين الفئات المستحقة للدعم والفئات غير المستحقة وكيفيات إجراء هذا التحديد.
ومن جهة أخرى، يتميز ملف إصلاح صندوق المقاصة بصعوبة من نوع آخر، تتمثل أساسا في كلفته العالية؛ إذ تتراوح الكلفة المتوقعة لتحملات نفقات المقاصة في ختام سنة 2021، بين 17.279 مليون درهم، مقابل توقعات في حدود 12.540 مليون درهم برسم قانون المالية، أي بزيادة قدرها 5 مليار درهم ناتجة عن ارتفاع الأسعار برسم سنة 2021. ويزداد الوضع تعقيدا مع إضافة نفقات الحماية الاجتماعية (2022) التي انخرط فيها المغرب ونفقات تعميم التعويضات العائلية (2023-2024).
وعلى العموم، فإن إصلاح نظام المقاصة، هو مطلب تقدمت به الحكومات المغربية السابقة، ولم يَجْرِ البدء بتنزيله بطريقة عملية إلا في سبتمبر/ أيلول 2013، عندما تبنت الحكومة آلية قياس أسعار النفط في الأسواق العالمية على أسعار المحروقات محليا، وصولا إلى إلغاء كامل للدعم عنها عام 2015.
كما تبنت الحكومة المغربية (2016-2021) ’’مواصلة إصلاح صندوق المقاصة من خلال رفع الدعم تدريجيا عن المواد المتبقية بهدف الزيادة في الاعتمادات الموجهة إلى تمويل سياسات وبرامج التنمية الاجتماعية، ودعم الفئات الهشة والمحتاجة‘‘، حسب ما ورد في مضمون البرنامج الحكومي.
والخلاصة، أن عملية رفع الدعم تسير وفق الإيقاع الاقتصادي والاجتماعي للبلاد، لكنها تسير وفق خطة مرسومة لإنهائها بشكل كامل عندما تتهيأ الشروط.
(الفهرس/سعيد منصفي التمسماني)