مجموعة هائلة من الدراسات والتقارير تشير إلى أن معظم نزاعات المستقبل ستدور رحاها حول موضوع الماء، أي أنها ستكون نزاعات متصلة بمسألة تقاسم الموارد المائية بين تلك الدول التي تسد حاجياتها المائية من مصادر مشتركة.    

   وقد بدت بوادر هذه النزاعات في عدة مناطق من العالم، ولعل أبرزها وأخطرها في اليوم الحاضر يتمثل في قضية النيل. والنيل، كما هو معروف، هو شريان الحياة في مصر، لكن هذا الشريان ينطلق من خارج حدود مصر، وبالتالي فإن الهاجس القديم الجديد كان وما زال يتمثل في أن من يملك السيطرة على منابع النيل يمكنه أن يؤثر على مركز المصب، وإذا ما حدث ذلك، فإن الطرف المتضرر لا بد أن يقاوم بشدة، لأن المسألة، مسألة حياة.    

   والمغرب، إذا كان لا يعاني من إشكالية المصادر المائية المشتركة مع دول أخرى، فإن الإشكالية المائية التي تفرض نفسها عليه نابعة من التغيرات المناخية التي من المتوقع أن تحدث خللا بين حاجيات المغرب المائية بسبب النمو الديمغرافي الذي يشهده وبين ما هو متاح .. وبعبارة أخرى، إن المغرب مرشح كي يعاني أزمة مائية نتيجة ارتفاع نسبة الطلب وانخفاض منسوب الموارد المائية.    وبالتالي، كان لا بد من تبني الدولة المغربية لاستراتيجية مائية مُلحّة، رغم كلفتها المادية المرتفعة، تُجنّب البلاد السيناريو المذكور، وتحافظ على أمنه الغذائي واستقراره الاجتماعي والسياسي، نظرا لما يوجد من ترابط وثيق بين هذه الجوانب على امتداد تاريخ الدولة المغربية. 

**أهمية الماء في الحياة الاقتصادية للمغرب

    في أحد تقاريره، اعتبر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، أن ’’مسألة الماء، باعتباره شأنا عموميا، يجب أن ترقى إلى مستوى القضية الوطنية، التي يتحمل بشأنها، كل طرف، من سلطات عمومية وفاعلين اجتماعيين ـ اقتصاديين وساكنة، مسؤوليته الكاملة‘‘. وأضاف: ’’أن نجاح مثل هذه السياسة يقتضي النهوض بثقافة جديدة للماء على المستوى الوطني، تعترف بالقيمة الخارجية لهذه الثروة والقيمة الكامنة فيها، بما في ذلك مساهمتها في الناتج الداخلي الخام …‘‘[1] .    وبعبارة أخرى، فإن الماء يظل المحرك الرئيسي للاقتصاد المغربي، ويظل فيه القطاع الفلاحي بمثابة نواته الصلبة. وحول الماء تدور معظم المخططات الاستراتيجية للدولة، كمخطط المغرب الأخضر، والاقتصاد الأزرق، والبرامج السياحية، وبرامج الطاقة الكهرمائية … وبالتالي، فإن أي خلل قد يصيب القطاع المائي من شأنه أن يؤثر على الاقتصاد المغربي برمته، ومن شأنه كذلك أن يطال الأمن الغذائي والسلم الاجتماعي. 

**الوضعية المائية للمغرب

    عادة ما يتم تقييم الوضعية المائية بالنظر إلى قسمين من الموارد، وهما: الموارد المائية التقليدية المتكونة من الأنهار والأحواض والبحيرات والمياه الجوفية والتساقطات المطرية والثلجية. ثم هناك الموارد المائية غير التقليدية المتأتية من عمليات تحلية مياه البحر ومعالجة المياه العادمة والمستعملة.    

   وحسب بيانات وزارة التجهيز والنقل واللوجيستك والماء، فإن الموارد المائية بالمغرب تُعَدُّ من بين أضعف الموارد في العالم حيث يُصَنَّف المغرب من بين البلدان المتميزة بأقل نسبة من الماء لكل نسمة.    وخلصت عدة دراسات وطنية ودولية إلى تصنيف الوضعية المائية في المغرب في مرتبة تتراوح بين متوسطة إلى ضعيفة، حيث تصل إلى 5,4 من مؤشر الموارد، مقابل 9,1 كمعدل عالمي [2].    

   ويبلغ متوسط تساقط الأمطار في المغرب إلى 140 مليار متر مكعب في السنة، لكن نسبة كبيرة منها تتعرض للتبخر، إذ تبلغ هذه النسبة إلى 118 مليار متر مكعب في السنة بالمتوسط. وتتفاوت التساقطات المطرية بشكل كبير بين مناطق المغرب الشمالية والوسطى والجنوبية، حيث تفوق التساقطات في الشمال 800 ملم، وتتراوح ما بين 400 و600 ملم في منطقة الوسط، وبين 200 و400 ملم في منطقة الشرق وسوس، وبين 50 و200 ملم في المناطق جنوب الأطلسية، وأقل من 50 ملم في أحواض الساقية الحمراء ووادي الذهب [3] .    

   وتمثل المياه الجوفية حوالي 20% من الموارد المائية التي يتوفر عليها المغرب، وتغطي أهم الأنظمة المائية الجوفية مساحة تقدر ب 80.000 كلم²، أي حوالي 10% من مجموع التراب الوطني.    وعلى العموم، يقدر مجموع الموارد المائية السطحية والجوفية بنحو 22 مليار متر مكعب، أي ما يعادل 700 متر مكعب للفرد في السنة [4] . 

**التحديات

    ثمة تحديات في غاية الخطورة تتصل بالماء، كانت وما يزال الكثير منها يفرض نفسه على برامج المسؤولين المغاربة، وذلك نظرا لتداعياتها ولما قد تحدثه من اضطرابات ذات طابع اقتصادي واجتماعي.    

   أبرز التحديات، تتمثل في انخفاض الموارد المائية المتجددة نتيجة التغيرات المناخية وتراجع نسبة التساقطات المطرية في بعض السنوات وعدم تناسبها مكانيا وزمنيا. ففترات الجفاف التي تضرب المغرب من حين لآخر، حسب العديد من الدراسات، أضحت تشكل سمة بنيوية وليس حالة عرضية. والجفاف بطبيعته يؤدي إلى زحف التصحر. ويزداد الوضع تعقيدا بفعل الرعي الجائر والاستغلال المفرط للخشب وزحف الإسمنت، مما يؤدي إلى تراجع النسيج الغابوي، واضطراب النظام الإيكولوجي، وتآكل الغطاء النباتي الذي يتصدى للتصحر. ولعل من بين أبرز الانعكاسات المباشرة للظواهر المذكورة، ما يتعرض له الملك الغابوي من آثار مدمرة، إذ ’’على الرغم من أن مساحة الغابات الوطنية قد ارتفعت من 11,2% من المساحة الإجمالية للبلاد سنة 2000 إلى 12,7% سنة 2010 ، فقد عرفت منذ ذلك الحين شبه ركود لتستقر عند نسبة 12,6% سنة 2016‘‘ [5] .    

   يزيد من خطر انخفاض الموارد المائية المتجددة عامل الاستغلال المفرط للموارد المائية الجوفية، وارتفاع نسبة إهدار الماء البالغة 35% من المياه المتوفرة [6] ، وتقلص الطاقة الاستيعابية للسدود بسبب تراكم الأوحال فيها، بالإضافة إلى تلوث جزء من الموارد المائية بسبب التأخر الحاصل على مستوى التطهير السائل ومعالجة المياه العادمة.    

   فإذا ما أضيف إلى العوامل السالفة الذكر عامل آخر، لا يقل خطورة عنها، يتمثل في ارتفاع الطلب على الماء بشكل متزايد، فإن الوضع المائي للمغرب يصبح تحت ضغط شديد ويكون قد بلغ مرحلة لا يجوز التهاون بشأنها أو التمادي في بعض السياسات التدبيرية المتبعة، لأن ذلك سيعني المغامرة بمستقبل البلاد ومصير أجيالها.    

   في هذا السياق المقلق، سيصدر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ورقته التحذيرية [7]  إلى القائمين على الشأن العام في المغرب بتاريخ 26 شتنبر 2019، وقد ورد في مستهلها تذكيرٌ ببعض المعطيات، مفادها أنه ’’عندما تقل المياه التي يتوفر عليها بلد ما عن 1000 متر مكعب للفرد سنويا، فإنه يعتبر في وضعية خصاص من حيث الموارد المائية‘‘. أما في المغرب، تضيف الورقة، ’’فإن الوضع قد أصبح مقلقا على اعتبار أن موارده المائية تقدر حاليا بأقل من 650 مترا مكعبا للفرد سنويا، مقابل 2500 متر مكعب سنة 1960. ومن المتوقع أن تقل هذه الكمية عن 500 متر مكعب بحلول سنة 2030‘‘. حسب ما ورد في الورقة.    وذكّر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بالاحتجاجات التي شهدتها بعض المدن المغربية في السنوات الأخيرة، ’’بسبب تواتر ظاهرة العطش وصعوبة الولوج إلى الماء الشروب‘‘. وحذّر من أن ’’ظاهرة الموارد المائية بالمغرب ستزداد حدة إذا لم يتم اتخاذ أي إجراء أو إذا تأخر تنفيذ الإصلاحات المعلن عنها‘‘.    

**السياسة المائية

    حرص المغرب منذ فجر الاستقلال على تبني سياسة خاصة لتدبير موارده المائية والاستجابة إلى احتياجاته الاقتصادية وأمنه الغذائي. وقد تم تعاطيه مع موضوع الماء وفق برمجة متعددة السنوات وفي إطار تحقيق أهداف معينة.     

    وقد تميزت تلك السياسة بالتدرج، حسب الإمكانات المتاحة والحاجيات المطروحة. ومن حيث الزمن، توزعت على مرحلتين: المرحلة الأولى بدأت غداة الاستقلال، وكان الاهتمام فيها منصبا على تدبير الموارد المائية التقليدية بهدف إيصال الماء الصالح للشرب وتوسيع شبكة السقي والاستجابة لمتطلبات الصناعة والسياحة، بالإضافة إلى الشروع في تطوير شبكة الصرف الصحي على المستوى الحضري. ويمكن القول، إن هاجس المرحلة الأولى من زمن الاستقلال غلب عليه التفكير في الأمنين المائي والغذائي، وحَوْلهما كانت تدور مجمل السياسات المائية. ثم جاءت المرحلة الثانية مع ولوج باب الألفية الثالثة. وخلالها، تنوعت السياسة المائية للمغرب ولم تعد مقتصرة على تدبير الموارد المائية التقليدية بل تعدّتها إلى النظر في الموارد غير التقليدية كتحلية مياه البحر ومعالجة المياه العادمة، وتطوير السقي بالتوجه نحو تقنيات السقي الموضعي، وإعداد مخططات لاقتصاد المياه، ومخططات لحصر الفياضانات، وأخرى لمحاربة التلوث… إلخ.      

   وعلى العموم، دارت السياسة المائية للمغرب، منذ الاستقلال، حول مجموعة من المحاور، هذه أبرزها: 

يرتبط المحور الأول بسياسة بناء السدود. وهذه السياسة في حقيقة الأمر، بدأت في عهد الحماية، حيث تم إحداث شبكة توزيع الماء الصالح للشرب وتوليد الكهرباء بفضل السدود الثلاثة عشرة التي شُيّدت على أهم الأنهار المغربية، ومنها سد سيدي معاشو على أم الربيع (1929)، وسد الكنزرة على واد بهت (1935)، وسد لالة تكركوست على واد نفيس (1935)، وسد إمفوت على نهر أم الربيع (1950)، وسد بين الويدان على واد العبيد أحد روافد أم الربيع (1953)، وسد مشرع حمادي على نهر ملوية (1955) [8] .    وغداة الاستقلال، ركّز الملك الراحل الحسن الثاني على سياسة بناء السدود وجعل منها أساسا لخطط التنمية الترابية، وكان الهدف الأول من اتباعها، ضمان الأمن المائي والغذائي وتوسيع مساحة الأراضي الفلاحية المسقية إلى مليون هكتار قبل سنة 2000، وذلك في الوقت الذي كان فيه مجموع الأراضي المسقية سنة 1967 لا يتجاوز 150 ألف هكتار. وخلال هذه الفترة، تم تشييد شبكة مهمة من السدود، منها سد المسيرة (1979) على نهر أم الربيع، وهو ثاني أكبرسدود المملكة، وسد الوحدة (1997)، الذي يعتبر أكبر سدود المغرب، حيث تصل طاقته الاستيعابية إلى 3800 مليون متر مكعب. وعلى أبواب الألفية الثالثة، كان المغرب يتوفر على 98 سدا كبيرا بسعة إجمالية تتجاوز 12 مليار متر مكعب.    وقد واصل الملك محمد السادس سياسة بناء السدود، حيث يتوفر المغرب حاليا على 145 سدا كبيرا بسعة تخزينية تفوق 18,6 مليار متر مكعب، و 130 سدا صغيرا، تضاف إليها سدود أخرى في طور الإنجاز، منها 14 سدا كبيرا تقدر سعتها الإجمالية بـ 3,2 متر مكعب و 20 سدا صغيرا[9] . وجميعها مكنت من إنشاء شبكة حديثة للري تغطي ما يزيد عن 1,5 مليون هكتار من الأراضي الزراعية.    وتكمن أهمية السدود، على اختلاف أحجامها، في تخزين المياه للاستفادة منها على مدار السنة وخلال مدة الجفاف، وتوفير مياه الشرب ونقلها، وسقي الأراضي الزراعية، وتغذية الفرشات المائية، والتحكم في الفياضانات، وتوفير الطاقة الكهرومائية، بالإضافة إلى الوظائف السياحية والترفيهية.    غير أن المشكل الأساسي الذي تواجهه السدود المغربية، يتمثل في غياب عمليات الصيانة بشكل دوري ومستمر، مما أفقدها جزءا من طاقتها الاستيعابية بسبب تراكم الأوحال داخلها.    

المحور الثاني للسياسة المائية يتعلق بنظام وحدة الحوض المائي. والحوض المائي، كما عرّفه المشرع المغربي، هو ’’مجموع المساحة الطبوغرافية التي تصرفها شبكة هيدروغرافية نحو مخرج هذه المساحة‘‘[10] . وقد أسند القانون 95.10 المتعلق بالماء مسألة تدبير الحوض إلى ’’وكالة الحوض‘‘. ويوجد في المغرب حاليا تسع وكالات، وهي مؤسسات عمومية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي. وتقوم كل وكالة بتدبير الحوض الداخل في نفوذها الترابي. ويعتمد تدبير الأحواض على أسس رئيسية: أولها التدبير المندمج للموارد المائية، والتشارك، والتشاور، والتضامن بين الجهات الذي يقتضي تحويل جزء من مياه الأحواض الغنية (كحوض اللكوس أو سبو) إلى المناطق الجافة. ويندرج توزيع الموارد المائية للأحواض ضمن المخطط الوطني للماء وبرامج تهيئة الأحواض. وتُعطى الأولوية في التوزيع للتزويد بالماء الصالح للشرب، تليه الحاجيات الفلاحية، ثم حاجيات إنتاج الطاقة الكهرومائية. وقد مكنت سياسة الأحواض المائية من تعميم الماء الصالح للشرب على 94% من الساكنة القروية، وعلى كامل الساكنة الحضرية[11] .    

المحور الثالث يقوم على أساس وجود منظومة قانونية ومؤسساتية اعتمدها المغرب لتدبير موارده المائية:     

   فثمة نصوص متعددة صيغت من أجل تنظيم قطاع الماء، يأتي في مقدمتها الفصل 31 من الدستور، الذي نص على المساواة في استفادة المواطنين من الحق في الحصول على الماء والعيش في بيئة سليمة. هذا، فضلا عن عدة قوانين أخرى لها صلة بالتأثيرات على الموارد المائية، من بينها، القانون الإطار 99.12 بمثابة ميثاق وطني للبيئة والتنمية المستدامة الصادر في شهر مارس من سنة 2014.    لكن يظل القانون المتعلق بالماء بمثابة النواة المركزية والمرجع الأساسي للقطاع، وهو القانون 95.10 المتعلق بالماء الصادر سنة 1995، والذي تَمّ تحيينه بموجب القانون 36.15 الصادر في شهر أغسطس من سنة 2016. والنصُّ الأخير جاء على سبيل ملء بعض الفراغات التي تميز بها النص الأول، والذي أضحت قواعده لا تتكيف بشكل كامل مع التشريع الدستوري والتشريع البيئي والمشاريع الكبرى التي انخرط فيها المغرب، كمخططات التطهير السائل ومعالجة المياه العادمة، وتحلية مياه البحر، والوقاية من الفياضانات، بالإضافة إلى العديد من الإجراءات والتعريفات التي كان لا بُدّ من تحيينها لتتماشى مع التشريعات الحالية والتقسيم الترابي الجديد القائم على أساس الجهوية المتقدمة.    

    وعلى الجانب المؤسساتي، قامت السياسة المائية على إحداث مجموعة من الهيئات المتدخلة في مسألة تنظيم قطاع الماء. وقد ظل تدخلها مبعثا لعدة انتقادات بسبب غياب التنسيق الكامل فيما بينها، وهو ما حاول المشرع تداركه بواسطة القانون 36.16 المذكور وبمجموعة من النصوص التطبيقية. وتتمثل أهم المؤسسات المتدخلة في تدبير الموارد المائية، في الآتي:   

ـ الوزارة المكلفة بالماء: وهي حاليا الممثلة في وزارة التجهيز والنقل واللوجيستك والماء، وتمثلها على المستوى الجهوي وكالات الأحواض المائية.   

ـ المجلس الأعلى للماء والمناخ: المحدث بموجب القانون 95.10. يترأسه رئيس الحكومة، وتتبعه لجنة دائمة تجتمع بدعوة من رئيسها وكلما استدعى الأمر ذلك. والمجلس مكلف بدراسة التوجهات العامة للسياسة الوطنية في مجال الماء والمناخ وإبداء رأيه حولها.   

ـ اللجنة الوزارية للماء: المحدثة بموجب المرسوم الصادر في 25 نونبر 2014. 

ـ وكالات الأحواض المائية: المحدثة بمقتضى القانون 10.95. تعتبر مؤسسات عمومية، تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي. وتخضع لوصاية الوزارة المكلفة بالماء. ولها عدة صلاحيات، نص عليها المشرع في المادة 80 من القانون 36.16 المتعلق بالماء. ومن أهم هذه الصلاحيات، تلك المتعلقة بإعداد ’’المخطط التوجيهي للتهيئة المندمجة للموارد المائية‘‘، والمخططات المحلية لتدبير المياه، ومخطط تدبير الخصاص في الماء في حالة الجفاف، والعمل على تنفيذها. ويدير وكالة الحوض المائي مجلس إدارة ترأسه السلطة الحكومية المكلفة بالماء.   

ـ مجلس الحوض المائي: المحدث بموجب المادة 88 من القانون 36.16 المتعلق بالماء. وتتمثل مهمته في دراسة القضايا المتعلقة بالتدبير والتخطيط وإبدائه رأيه حولها، لا سيما المخطط التوجيهي للتهيئة المندمجة لموارد المياه والمخططات المحلية لتدبير المياه.   

ـ أجهزة أخرى: ويتعلق الأمر بلجن العمالات والأقاليم للماء والتي يرأسها العامل، والجماعات الترابية، والأجهزة المكلفة بقطاع البيئة، والمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، والوكالات المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء، ووكالات القطاع الخاص المكلفة بالتدبير المفوض (أمانديس، ليديك، وريدال).    

المحور الرابع للسياسة المائية يتعلق بالتخطيط المائي. والمقصود منه مجموعة من الاستراتيجيات والمخططات الآنية والاستباقية لتدبير القضايا المرتبطة بالموارد المائية.    

    ففي المقام الأول، توجد الإستراتيجية الوطنية لتحسين المعرفة بالمناخ وبتغيراته وآثارها على الموارد المائية. وفي سنة 2009 تم وضع ’’الإستراتيجية الوطنية للماء‘‘، بمثابة خارطة طريق لتدبير الموارد المائية وتحديد أهداف مرقمة في أفق 2030 [12].    

    ويعد ’’المخطط الوطني للماء‘‘ من أهم أدوات التخطيط. وتتولى وضعه السلطة الحكومية المكلفة بالماء بالتنسيق مع السلطات الحكومية ذات الصلة بالموضوع. ويتم عرضه على رأي اللجنة الوزارية للماء، وذلك قبل عرضه على رأي المجلس الأعلى للماء والمناخ. ويصادق على المخطط الوطني للماء بمرسوم، وينشر بالجريدة الرسمية. ومدته لا تقل عن ثلاثين سنة، مع إمكانية مراجعته بصفة دورية كل عشر سنوات، ما عدا إذا اقتضت ظروف استثنائية تغيير محتواه قبل هذه المدة. ويتضمن المخطط تشخيصا لقطاع الماء وأهم التحديات التي يواجهها، ويعلن عن الأهداف والتوجهات الكبرى الواجب اتباعها وعن الأولويات الوطنية في مجال الماء والإصلاحات المؤسساتية والقانونية والمالية والتوجهات الاستراتيجية للبحث العلمي والتكنولوجي المرتبطة بتعبئة الموارد المائية وعقلنة تدبيرها[13].

    يلي المخططَ الوطني للماء من حيث الأهمية: ’’المخطط التوجيهي للتهيئة المندمجة للمياه‘‘[14]  الخاص بكل حوض أو مجموعة أحواض. ويتم وضعه من طرف وكالة الحوض المائي بتنسيق مع الهيئات المعنية وفق مقاربة تشاركية تأخذ في الاعتبار مضمون المخطط الوطني للماء، والتدبير المندمج للماء، الذي يعني:’’التدبير طبقا لمقاربة نسقية شاملة وما بين قطاعية وأفقية تراعي بشكل مندمج الجوانب البيئية والاجتماعية والاقتصادية والتقنية أثناء إعداد المخطط‘‘[15] . ويوضع المخطط التوجيهي لمدة ثلاثين سنة على الأقل، ويمكن مراجعته كل 10 سنوات أو أقل عند الاقتضاء. ويعرض المخطط التوجيهي على رأي مجلس الحوض، وبعد الموافقة عليه من طرف مجلس إدارة وكالة الحوض المعنية يصادق عليه بمرسوم وينشر في الجريدة الرسمية.    

    إلى جانب ذلك، هناك ’’المخطط المحلي لتدبير المياه‘‘، والذي نص عليه القانون الجديد للماء رقم 36.19، بحيث خوّل المشرع لوكالة الحوض أن تضع مخططات محلية لتدبير المياه بغرض تحديد الإجراءات الواجب اتخاذها لتنفيذ مقتضيات المخططات التوجيهية للتهيئة المندمجة لموارد المياه على المستوى المحلي.    

    بالإضافة إلى ما سبق ذكره، ثمة مجموعة من المخططات والبرامج تصب كلها في تدعيم السياسة المائية والرفع من مستوى تدبير الموارد المائية. من بينها، ’’البرنامج الوطني للتطهير السائل‘‘، الذي انطلق سنة 2006، والذي ارتقى به المشرع في القانون الجديد للماء، بحيث ألزم من خلاله كل التجمعات الحضرية بالتوفر على شبكة عمومية للتطهير السائل وبمحطة أو عدة محطات لمعالجة المياه المستعملة مع منع القيام بأي صبّ للمياه المستعملة الصناعية في الشبكة العمومية للتطهير بدون ترخيص مسبق[16] . ثم هناك العديد من البرامج الأخرى، كالبرنامج الوطني لاقتصاد الماء في السقي، وبرنامج توسيع السقي، ومخطط المغرب الأخضر، والبرنامج الوطني للنفايات المنزلية الصلبة، والمخطط الوطني للحماية من الفياضانات، وغيرها من المخططات والبرامج التي تلتقي كلها في تطوير حكامة تدبير الموارد المائية.    

أما المحور الخامس المعتمد في السياسة المائية، فهو المرتبط بالتكوين والبحث العلمي، والذي انخرط فيه المغرب منذ ثمانينيات القرن الماضي عبْر تكوين المهندسين والتقنيين والخبراء في مجال الماء وإعداد البنيات المتصلة به. 

**المشاريع المائية للمغرب في الوقت الراهن

لم تكد تمر إلا بضعة أسابيع عن توجيه المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لورقته التحذيرية للحكومة حول مآلات وضع الماء في المغرب، وهي الورقة المشار إليها سابقا، ليترأس الملك محمد السادس خلال شهر يناير الماضي، جلسة عمل بالقصر الملكي بمراكش انصبَّ موضوعها على ’’البرنامج الأولوي الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي 2020-2027‘‘.    

    وخلال الجلسة الشهرية المتعلقة بالسياسة العامة التي انعقدت بتاريخ 27 يناير 2020 بمجلس النواب والتي خُصّصت لموضوع ’’السياسة المائية‘‘، أكد رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، أن الحكومة ’’جعلت السياسة المائية في صميم برامجها‘‘ وأن لديها ’’رؤية واضحة لتطوير العرض المائي والحفاظ على الموارد المائية وتحقيق الأمن المائي‘‘.     

    وبالنسبة للبرنامج الأولوي الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي 2020-2027، أوضح رئيس الحكومة، أن تنزيله سيكلف 115 مليار درهم، 61 مليار درهم لتنمية العرض المائي، و25.1 مليار درهم لتدبير الطلب وتثمين الماء، إلى جانب 26.9 مليار درهم لتقوية التزود بالماء الصالح للشرب بالوسط القروي، و2.3 مليار درهم لإعادة استعمال المياه العادمة، ثم 50 مليون درهم للتواصل والتحسيس.    

    وخلال نفس الجلسة، تطرق المسؤول الحكومي إلى ’’المخطط الوطني للماء 2020-2050‘‘، وقال إن الحكومة أعدت مشروع هذا المخطط، ’’الذي يشكل خارطة طريق لمواجهة التحديات المستقبلية في مجال الماء، طبقا لمقتضيات القانون رقم 36.15 المتعلق بالماء‘‘، وأضاف، أنه بعد عرض المخطط على المجلس الأعلى للماء والمناخ والمصادقة عليه، سيتمكن المغرب ’’من ضمان المستوى اللازم من التنسيق والالتقائية بين مختلف الفاعلين والمتدخلين، من أجل حسن تنفيذ هذا المخطط والبرامج المسطرة فيه‘‘،مؤكدا أن الحكومة ستحرص على ’’تحديد جدولة زمنية دقيقة لإنجاز مكوناته، وكذا إرساء آليات التتبع والتقييم اللازمة لضمان تنفيذه على المستوى المركزي من خلال اللجنة الوزارية للماء وكذا على المستوى الجهوي‘‘.    

    وتقدر الكلفة الإجمالية لـلمخطط الوطني للماء 2020-2050 بأزيد من 380 مليار درهم، ويهدف بالخصوص إلى تعزيز العرض المائي من خلال بناء مزيد من السدود، والربط بين الأحواض المائية، والرفع من مستوى تحلية مياه البحر ومعالجة المياه العادمة، بالإضافة إلى دمج كل المراكز القروية في أنظمة التزويد المهيكلة للماء الصالح للشرب وتوفير الموارد المائية الضرورية من أجل تطوير فلاحة مستدامة والحفاظ على الأنظمة الايكولوجية ومحاربة التلوث، وذلك حسب ما صرح به وزير التجهيز والنقل واللوجيستيك والماء، عبد القادر اعمارة، خلال اجتماع اللجنة الوزارية للماء في شهر يناير 2020. 

**تحلية مياه البحر

    من بين التدابير الإستراتيجية التي أوصى بها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في ورقته المشار إليها سابقا والتي أصدرها في شتنبر 2019، ما يتعلق بــ ’’الاستخدام المكثف للموارد المائية غير التقليدية، خاصة من خلال تعميم تقنية تحلية مياه البحر بالنسبة للمناطق الساحلية وإعادة استخدام المياه العادمة المعالجة‘‘.    

    وكان المغرب قد أنشأ أول محطة لتحلية مياه البحر في إقليم طرفاية سنة 1976 بطاقة إنتاجية قدرت حينها بــ 70 متر مكعب في اليوم، ثم أتبعها بمحطات أخرى في العيون وبوجدور وأكادير.    

    وبحلول سنة 2016، كان لدى المغرب 15 منشأة لتحلية المياه، تبلغ طاقتها الإنتاجية 132 مليون متر مكعب في السنة، وتعمل جميعها (96%)، تقريباً، بنظام التناضح العكسي، باعتباره التقنية الأقل استهلاكا للطاقة.

    ويسعى المغرب إلى إمداد مشاريع تحلية البحار بمصادر الطاقة المتجددة المحلية بهدف تقليص التكلفة.    

    وفي العاشر من شهر نونبر 2020، أعلن وزير التجهيز والنقل واللوجستيك والماء، عبد القادر اعمارة، خلال مداخلته بمجلس المستشارين، عن الشروع في الخطوات الإجرائية لإنجاز أكبر محطة، على المستوى القاري، لتحلية مياه البحر بمدينة الدار البيضاء.    وأبرز اعمارة أنه تم الشروع في الخطوات الإجرائية لمشروع تحلية مياه بحر الدار البيضاء بقدرة استيعابية تصل إلى 300 مليون متر مكعب، مشيرا إلى أن هذه المحطة تعد الأكبر على المستوى القاري، بكلفة مالية تناهز 10 ملايير درهم.    

وأضاف الوزير،  أنه تم الانتهاء من تحلية مياه البحر بإقليم شتوكة آيت باها، إلى جانب تقوية صبيب عدد من محطات تحلية المياه بالأقاليم الجنوبية للمملكة، مشيرا في السياق ذاته إلى أن الوزارة بصدد دراسة التكامل ما بين استعمالات محطة الداخلة. 

* * * *  

    إن مسألة المياه، كما وصفها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، ترقى إلى مصاف القضايا الوطنية، بل لا يبعد المرء إذا جعلها من أولى القضايا وأخطرها .. والمغرب، كما هو معروف، اعتمد اقتصاده وأمنه الغذائي وسلمه الاجتماعي على مدى تاريخه على وفرة هذا العنصر الحيوي الذي هو الماء. وبالتالي، فإن مسؤولية هذا الملف يتحملها الجميع، أفرادا كانوا أم جماعات أم مسؤولين عموميين.   

(الفهرس/سعيد منصفي التمسماني)

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي: ’’الحكامة عن طريق التدبير المندمج للموارد المائية في المغرب: رافعة أساسية للتنمية المستدامة‘‘، تقرير ـ إحالة ذاتية ـ رقم 15 / 2014، ص.
2ـ تقرير البنك الدولي: ’’حقائق عن أزمة المياه في العالم العربي‘‘، مارس 2015.
3ـ وزارة التجهيز والنقل واللوجستيك والماء.
4ـ تقرير البنك الدولي: ’’حقائق عن أزمة المياه في العالم العربي‘‘، مارس 2015.
5ـ المجلس الاقتصادي والاجتماعيي والبيئي، ’’النموذج التنموي الجديد للمغرب‘‘، سنة 2019، ص.، 35.
6ـ تقرير البنك الدولي، م.س.
7ـ يتعلق الأمر بالورقة المسماة ’’نقطة يقظة‘‘ التي اصدرها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بتاريخ 26 شتنبر 2019، تحت عنوان: ’’الحق في الماء والأمن المائي مهددان بسبب الاستغلال المفرط للموارد المائية‘‘.
8ـ مجموعة مؤلفين، ’’تاريخ المغرب ـ تحيين وتركيب ـ ‘‘، منشورات المعهد الملكي، ص.: 576.
9ـ تصريح رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، خلال الجلسة الشهرية المتعلقة بالسياسة العمومية المنعقدة في 27 يناير 2020 بمجلس النواب.
10ـ المادة 3 من القانون 36.15 المتعلق بالماء.
11ـ المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي: ’’الحكامة عن طريق التدبير المندمج للموارد المائية في المغرب: رافعة أساسية للتنمية المستدامة‘‘، تقرير ـ إحالة ذاتية ـ رقم 15 / 2014.
12ـ المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي: ’’الحكامة عن طريق التدبير المندمج للموارد المائية في المغرب: رافعة أساسية للتنمية المستدامة‘‘، تقرير ـ إحالة ذاتية ـ رقم 15 / 2014.
13ـ المادة 90 من القانون 36.19 المتعلق بالماء، والمرسوم 2.18.39 الصادر في 17 يوليو 2018 المتعلق بالمخطط الوطني للماء والمخطط التوجيهي للتهيئة المندمجة لموارد المياه والمخطط المحلي لتدبير المياه.
14ـ تطرق إليه المشرع من المادة 91 إلى المادة 95 من القانون 36.19 المتعلق بالماء.
15ـ هكذا عرّف المشرع ’’التدبير المندمج للماء‘‘ من خلال المادة 3 من القانون 36.19.
16ـ المادة 107 والمادة 109 من القانون 36.19 المتعلق بالماء.
X