مع قرار فرنسا إنهاء عملية برخان العسكرية في منطقة الساحل الإفريقي وإلقاء الحمل على تحالف غربي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، تتصاعد حدة العمليات المسلحة في المنطقة بشكل مشابه لما يجري في أفغانستان.

ورغم أن قرار إنهاء عملية برخان اتخذ نهاية 2020، بعد 8 سنوات من القتال ضد تنظيمي ’’القاعدة‘‘ و”داعش” ’’الإرهابيين‘‘، إلا أن باريس اتخذت من الانقلاب الثاني في مالي، الذي وقع في 24 مايو/أيار الماضي، مبررا لانسحابها “المبهم” من منطقة الساحل.

حيث حذر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، زعماء المنطقة، بأنه “لن يبقى إلى جانب بلد لم تعد فيه شرعية ديمقراطية ولا عملية انتقال” سياسي.

لكن ماكرون لا يريد الانسحاب فورا من الساحل، حتى لا يظهر أمام شعبه كمن عاد يجر ذيول الهزيمة من الساحل، قبل أقل من عام على الانتخابات الرئاسية، كما أنه لا يريد الغرق في الرمال المتحركة بالمنطقة.

تاكوبا الأوروبية هل تكون بديلا عن برخان؟

معادلة صعبة يحاول ماكرون حلها، خاصة بعدما مُني حزبه “الجمهورية إلى الأمام” بهزيمة قاسية أمام “حزب الجمهوريين”، قبل نحو 10 أشهر من الرئاسيات.

فالرأي العام الفرنسي لا يتفهم بقاء جنوده ليقتلوا في الصحراء الإفريقية دفاعا عن أنظمة “غير ديمقراطية”، في الوقت الذي تنظر إليهم شعوب المنطقة كمستعمرين جدد ويطالبونهم بالرحيل.

ولكن ماكرون لا يريد أن يترك إحدى أهم مراكز نفوذ بلاده في إفريقيا لقمة سائغة للروس والصينيين على وجه التحديد، خاصة بعدما خسر جمهورية إفريقيا الوسطى، التي أصبحت شركة فاغنر الروسية تصول وتجول فيها عقب إنهاء فرنسا عملية “سانغاريس” العسكرية في 2016.

لذلك فالخيار المطروح أمام باريس والذي مهدت له منذ أشهر، يتمثل في تدويل الحرب على الإرهاب في منطقة الساحل، من خلال توريط حلفائها الأوروبيين أكثر في هذا الصراع، ودفع الولايات المتحدة إلى تحمل عبء أكبر في المنطقة، مع إبقاء باريس لقواعد عسكرية في كل من تشاد والنيجر ومالي وبوركينافاسو.

وتحشد فرنسا نحو 5100 عنصر من قوات برخان في المنطقة، بينما تشكل الولايات المتحدة القوة الأجنبية الثانية في المنطقة بنحو 1100 عنصر، لكن دورها يقتصر على التدريب وتقديم الدعم اللوجسيتي والاستخباري.

ففي يوليو/تموز 2020، أطلقت وزارة الدفاع الفرنسية عملية “تاكوبا” العسكرية، التي تضم المئات من القوات الخاصة لعدة دول أوروبية بالإضافة إلى الجيش الفرنسي، والتي من المتوقع أن تخلف برخان.

وهذا يعني أن فرنسا ستبقى حاضرة في الساحل، لكن مع توزيع الأعباء المالية والخسائر البشرية على بقية الدول الأوروبية.

ويخفف هذا القرار الانتقادات المحلية والأممية من الانتهاكات والجرائم التي ارتكبتها القوات الفرنسية في الساحل، وأبرزها قتل عشرات المدنيين في غارة جوية على عرس وسط مالي، بحسب تحقيق أممي، رفضت باريس الإقرار بما تضمنه من شهادات ودلائل.

ولا تبدو الولايات المتحدة متحمسة كثيرا لقيادة عملية عسكرية في الساحل، خصوصا وأن استراتيجيتها الجديدة في مكافحة الإرهاب تسعى لتقليص حجم تواجدها في المناطق الساخنة والاكتفاء بتوفير التدريب والدعم اللوجيستي للجيوش المحلية.

أما الدول الأوروبية فمازال تدخلها العسكري في الساحل محتشما، خاصة أن المنطقة فقيرة من حيث الموارد، ومصنفة ضمن مناطق النفوذ الفرنسي، ولا مصلحة كبيرة لهذه الدول في القتال بدلا من الأطراف المعنية مباشرة بهذا الصراع.

(المصدر: الأناضول)

X