يصدق على ليبيا تلك الكتابات التي طالما تحدثت عن ظاهرة في السياسة الدولية تحت اسم ’’لعبة الأمم‘‘، والفضل يعود في فتح هذا الباب في عالم السياسة إلى ’’مايلز كوبلاند‘‘ من خلال كتابه الصادر سنة 1969 تحت عنوان ’’لعبة الأمم‘‘.
وما يحدث حاليا في ليبيا هو في الحقيقة ليس إلا وجها من أوجه لعبة الأمم أو لعبة المصالح، حيث أضحت بلاد عمر المختار حقلا للتجارب ومسرحا للصراعات الدولية.
وفي سياق الحديث عن استراتيجيات ’’لعبة الأمم‘‘ وما يتصل بها، من اللافت رصد اعتقاد لدى كثير من الدوائر السياسية والإعلامية مفاده أن الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس جو بايدن تختلف عن إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، إذ تميل الإدارة الحالية إلى تسوية الأزمة الليبية وعدم التساهل أو التسامح مع التجاوزات التي ارتكبتها قوات حفتر في السابق أو تلك التي ربما تنوي ارتكابها.
ويستشهد الكثيرون على تبني واشنطن لهذا الاتجاه الجديد بعدد من المواقف والتصريحات والقرارات التي أعلنتها الإدارة الأمريكية الحالية؛ حيث سبق لمستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، أن أصدر بيانا في 12 مارس/آذار المنصرم، أكد فيه العمل ’’على تعزيز المساءلة لأي طرف يسعى إلى تقويض خارطة الطريق الانتخابية التي وضعها الليبيون‘‘.
ويمثل 24 ديسمبر 2021، موعدا جديدا لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية وفق ما اتفق عليه أطراف النزاع الليبي خلال اجتماعهم في تونس، نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
كما أن تقرير الخارجية الأمريكية حول حقوق الإنسان لعام 2020، الذي صدر الثلاثاء الماضي، تم من خلاله اتهام قوات حفتر بالتورط في عمليات قتل تعسفي وغير مشروع وإخفاء قسري وتعذيب أطفال وتجنيدهم واستخدامهم في الصراع، وتحدّث التقرير عن استيلاء جماعات متحالفة مع حفتر على مدينة سرت وتعرض العديد من المدنيين للاختطاف والاحتجاز بسبب ’’ولائهم‘‘ لحكومة الوفاق الوطني… وغير ذلك من الاتهامات التي تعتبر مؤشرا ـ في نظر البعض ـ على أن واشنطن بصدد تغيير سياستها في ليبيا، وأن ما يعزز هذا الاعتبار مشاركة بلينكن في اجتماع وزراء خارجية الناتو، في 23 مارس، ببروكسل، لبحث عدة ملفات من ضمنها التدخل الروسي في ليبيا، وقيام وزراء خارجية فرنسا وألمانيا وإيطاليا بعد يومين من هذا الاجتماع بزيارة طرابلس للتعبير عن موقف أمريكي/أوروبي موحد ومساند لحكومة الوحدة الوطنية الليبية.
لكن السؤال المطروح، إنما يجب أن يدور حول الآليات والكيفيات التي من المفترض أن يتم بها تنزيل مضامين الموقف الأمريكي الجديد؛ ففي الوقت الذي يعلن فيه وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، خلال عرضه لتقرير حقوق الإنسان، التزامه باستخدام ’’كل الأدوات الدبلوماسية للدفاع عن حقوق الإنسان ومحاسبة الذين يرتكبون الانتهاكات‘‘، نجد أن بعض التقارير والمصادر الصحفية الدولية تتحدث عن استعدادات جديدة لمرتزقة ’’فاغنر‘‘ الروسية في ليبيا وعن معلومات تفيد أن موسكو تسعى لإقامة تواجد عسكري دائم لها في البلاد من خلال هذه القوات وغيرها، وهذا كله يشير إلى أن انسحاب ’’فاغنر‘‘ من ليبيا ليس أمرا هيّنا أو قريب الحدوث، كما أنه يشير إلى أن اعتماد الدبلوماسية مقابل فرض الأمر الواقع يشكل معادلة يصعب فهمها وحلها ويساهم في إطالة عمر الأزمة.
كما يثور السؤال كذلك حول مصير قانون ’’دعم الاستقرار في ليبيا‘‘، الذي صادق عليه مجلس النواب الأمركي في نونبر 2020، إن كان سيتم طرحه من جديد الآن بعد أن تمكن الحزب الديمقراطي من الحصول على الأغلبية في مجلس الشيوخ وصار بإمكانه اعتماده؟
وللتذكير، فإن القانون المشار إليه، ينص على إعداد قائمة بأسماء المخترقين للقانون الدولي ولحقوق الإنسان في ليبيا من كل الأطراف في مدة أقصاها 180 يوما من تاريخ إصداره، كما يقضي بفرض حزمة من العقوبات ضد من ارتكبوا جرائم حرب أو جرائم مالية أو ساهموا في تسهيل التدخلات الإقليمية أو شاركوا في غسيل الأموال وتهريب النفط وبيعه خارج المؤسسات.
إن الحل الحقيقي في ليبيا لا يمر إلا عبْر إرادة أبناء الوطن؛ والحل المقصود ها هنا هو تحقيق السيادة الحقيقية والفعلية، وهذه لا يمكن الحصول عليها إلا إذا توافق الفرقاء الليبيون ويمّموا نياتهم شطر الوطن، أما وقد يمّموها شطر المشرق والمغرب، فمن الصّعب الحديث عن حل حقيقي وسيادة حقيقية، حيث ستظل القضية الليبية محل تجاذبات وأجندات دولية يتبارى في ساحتها اللاعبون الكبار، وفي مقدمتهم: الولايات المتحدة الأمريكية التي تسعى بكل الطرق وضع يدها على شمال إفريقيا.
(الفهرس/سعيد منصفي التمسماني)