تتحدى نفوذ الصين وروسيا عبر بوابة منطقة شمال إفريقيا

تحاول إيطاليا بقيادة رئيسة وزرائها جورجيا ميلوني فتح جسور نحو إفريقيا بدءا من شمال إفريقيا وبالأخص من الجزائر.

فأولوية شمال إفريقيا ضمن الخطة الإيطالية في القارة كشفت عنها ميلوني بوضوح عندما أشارت إلى خطة ماتّي قائلة “إننا في هذه المرحلة الأولى نركز بشكل كبير على منطقة البحر المتوسط​​، وبالتالي تصبح شمال إفريقيا أولوية مطلقة. والجزائر، من وجهة النظر هذه هي الشريك الأكثر إستراتيجية والأطول عمرا.

وهذه الاستراتيجية الجديدة عبّرت عنها ميلوني بقولها إن “المصلحة الجيوسياسية لأوروبا بأكملها أن تكون أكثر حضوراً في إفريقيا”، والتي من ضمنها  التركيز على “كبح جماح نفوذ روسيا والصين الذي ازداد كثيرا مع وجود عناصر واضحة مزعزعة للاستقرار” هناك، حسب وصف المسؤولة الإيطالية.

من هذا المنطلق، إذن، أطلقت روما “خطة ماتّي لإفريقيا”، لكسر هيمنة الصين وروسيا، مثلما كسر إنريكو ماتّي، مؤسس عملاق الطاقة الإيطالي “إيني” هيمنة سبع شركات غربية كبرى للطاقة (الأخوات السبع) على قطاع النفط والغاز في العالم.

مجموعة “إيني” ستكون رأس حربة الاستراتيجية الإيطالية “التنموية” الجديدة في إفريقيا، والتي تختلف عن النموذج الفرنسي الذي يغلب عليه التدخل العسكري الفج وما اعتبرته ميلوني عندما كانت نائبة في البرلمان الإيطالي “استغلالا فرنسيا لموارد القارة”.

كما تختلف الخطة الإيطالية عن النموذج الأمريكي الذي يتبنى سياسة العقوبات ضد فاغنر، والضغوط الدبلوماسية على الدول الإفريقية الشريكة لروسيا والصين، والمساعدات الإنسانية للقارة.

النموذج الإيطالي أقرب للسياسة الصينية المبنية على الشراكة الاقتصادية، لكن روما تركز أكثر على الشراكة في مجال الطاقة من خلال التنقيب عن الغاز والنفط وإنتاجه واستيراده، وأيضا الشراكة في قطاع الطاقات المتجددة، لتكون الطاقة قاطرة للاستثمارات الإيطالية في قطاعات أخرى.

ففي الجزائر، فجّر الرئيس  عبد المجيد تبون مفاجأة لم تتوقف عندها الكثير من وسائل الإعلام، عندما أعلن أن المبادلات التجارية بين البلدين ارتفعت من 8 إلى 16 مليار دولار ما بين 2021 و2022.

ولا تكمن أهمية الرقم فقط في تضاعف المبادلات التجارية بين البلدين، بل الأهم من ذلك أن روما أزاحت الصين من صدارة أكبر شركاء الجزائر التجاريين.

فمنذ 2013، لم تتمكن أي دولة من التفوق على الصين من حيث حجم المبادلات التجارية التي تجاوزت في السنوات الأخيرة 9 مليارات دولار، معظمها صادرات صينية.

ولم تعلن بعد الأرقام الرسمية لحجم المبادلات التجارية بين الجزائر والصين في 2022، إلا أنه من المستبعد أن تكون تجاوزت حجم المبادلات الجزائرية الإيطالية.

ومع اتفاق كل من الجزائر وإيطاليا على زيادة حجم صادرات الغاز الجزائري إلى إيطاليا لتبلغ 28 مليار متر مكعب سنويا في 2024، فإن روما ستكرس نفسها شريكا أولا للجزائر، مبتعدة بمليارات الدولارات عن الصين.

وبعد اكتمال إنجاز أنبوب غالسي لنقل الغاز الطبيعي بين البلدين وأيضا الهيدروجين الأخضر والأمونيا الزرقاء والخضراء، بالتوازي مع إنشاء خط لتصدير الكهرباء من الجزائر إلى إيطاليا، وأيضا فتح مصنع فيات الإيطالي بالجزائر في مارس/آذار المقبل، فإن حجم المبادلات بين البلدين ستصل إلى سقف من الصعب على الصين تجاوزه.

فالنموذج الصيني يعتمد على كثافة التصدير للسوق الجزائرية، لكنه ليس زبونا كبيرا للمحروقات الجزائرية (نفط وغاز)، التي تمثل نحو 88 بالمئة من الصادرات الجزائرية، ما يجعل من الصعب على الصين منافسة إيطاليا على صدارة شركاء الجزائر التجاريين.

ومع ذلك تبقى الصين الممون الأول للجزائر، بينما إيطاليا الزبون الأول للجزائر.

ومن المستبعد أن ترمي بكين المنشفة بسهولة أمام روما، خاصة وأنها تربطها بالجزائر اتفاقية شراكة استراتيجية شاملة وتستثمر مليارات دولارات في قطاعات مختلفة على غرار المناجم، وبالأخص استخراج ومعالجة الفوسفات والحديد الخام، وكذلك قطاع تصنيع السيارات، ما سيشعل المنافسة بين البلدين

وعلى مستوى ليبيا، فالصين لا تمثل تحديا كبيرا لإيطاليا، بالنظر إلى أن عدم استقرار الوضع الأمني في ليبيا لم يشجع بكين لرمي ثقلها في سوقها، ناهيك عن هيمنة إيني على قطاع المحروقات هناك، بحكم أن إيطاليا المستعمر القديم لها.

لكن التحدي الأكبر لروما يتأتى من روسيا وذراعها الأمني “فاغنر”، التي تمثل تهديدا لاستثماراتها في قطاع النفط بليبيا، ولتدفق الغاز من أنبوب “غرين ستريم” نحوها.

ولا تملك إيطاليا خيارات كثيرة لاقتلاع فاغنر من ليبيا، لكنها تعمل بالتنسيق مع حلفائها الأوروبيين والأمريكيين، وأيضا شركائها الإقليميين مثل تركيا والجزائر ومصر لمحاصرة نفوذ فاغنر ودفعها للانسحاب من البلاد.

أما في مصر، فتمثل الصين تحديا حقيقيا أمام إيطاليا، بالنظر إلى أن بكين تعتبر الشريك التجاري الأول للقاهرة، وتسعى روما لتكرار نفس تجربتها مع الجزائر، من خلال توسيع استثمارات شركتها “إيني” في التنقيب وإنتاج الغاز واستيراده.

ويكفي الإشارة إلى أن “إيني” هي التي اكتشفت حقل “الظهر” المصري في البحر المتوسط، ووقعت اتفاقا معها في أبريل/نسان الماضي لزيادة إنتاج الغاز على المدى القصير وتوفير شحنات من الغاز المسال للتصدير إلى إيطاليا أو أوروبا.

 لكن حجم الاستهلاك الكبير للغاز في مصر لا يسمح سوى بتصدير كميات محدودة من الغاز لإيطاليا، ما يعني تكرار التجربة الجزائرية أمر صعب على المدى القريب، إلا إذا تم تحقيق اكتشافات جديدة وإنتاج أكبر وهذا ما تعمل عليها إيني الإيطالية.

وأما بالنسبة لتونس والمغرب، فلا تشكل الصين وروسيا تحديا كبيرا أمام إيطاليا مقارنة مع كل من الجزائر ومصر اللتين تربطهما علاقات اقتصادية وأمنية تاريخية.

(المصدر: الأناضول/بتصرف)

X