اليوم يكتمل أسبوع منذ صدور قرار البرلمان الأوروبي بشأن المغرب، ويبدو الأمر وكأنه بدأ يدخل طيّ النسيان ليتحول مع مرور الأيام إلى مجرد تصريح كغيره من التصريحات الروتينية التي لا تغير معطيات الواقع.
والحقيقة أن البرلمان الأوروبي ليس بإمكانه إصدار قرارات ملزمة تطال دولا خارجة عن الاتحاد، ولا يستطيع في أي حال من الأحوال أن يتقمص وظيفة الأمم المتحدة.
فالمؤسسة التشريعية الأوروبية هي واحدة من بين مؤسسات الاتحاد الأوروبي؛ تشارك المجلس الأوروبي صلاحية اعتماد التشريعات الخاصة بالاتحاد والموافقة على ميزانيته السنوية؛ بالإضافة إلى أنها تراقب عمل المفوضية الأوروبية وغيرها من هيئات الاتحاد الأوروبي ، وتتعاون مع برلمانات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وتنسق أعمالها على مستوى الاتحاد؛ ولا يمكن لقراراتها أن تلزم أطرافا دولية، بل إنها لا تستطيع أن تطال صلاحيات المؤسسات الأخرى للاتحاد الأوروبي ذاته.
والقرار الذي اتخذه البرلمان الأوروبي في شأن المغرب في 10 يونيو، لا يكتسي طبيعة تشريعية، إنما تم إصداره بموجب المادة 144 من النظام الداخلي للبرلمان التي تتناول المناقشات بشأن قضايا انتهاكات حقوق الإنسان والديمقراطية وسيادة القانون؛ وقد صدر تحت عنوان: ’’ قرار البرلمان الأوروبي في 10 يونيو 2021 بشأن انتهاك اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل واستخدام السلطات المغربية للقصر في أزمة الهجرة في سبتة‘‘.
أما المصطلحات التي استُعملت في صياغة القرار، فتراوحت بين ’’الرفض‘‘ و ’’الأسف‘‘، ولم تتطرق لـ ’’الإدانة‘‘ كما كان يريد بعض من قدموا مقترح القرار؛ بينما لم يتجاوز باقي مضمون القرار حدود ’’الإعلان عن النوايا‘‘، إذا جاز التعبير.
ثم إن التصويت لم يكن بالإجماع، إذ من أصل 705 نائبا من البرلمان الأوروبي، 397 نائبا صوتوا بالموافقة على نص القرار، فيما عارضه 85، وامتنع 196 عن التصويت.
ومن ثمة، فإن أبعاد القرار الصادر عن البرلمان الأوروبي، من حيث شكله ومضمونه، ليس بمقدورها أن تتجاوز حدود أروقة المؤسسة التي أصدرته؛ وربما جاء إصداره، كما رأى العديد من المتتبعين، كمحاولة لإرضاء إسبانيا، لكن دون المساس بجوهر العلاقات الاستراتيجية التي تربط المغرب بالاتحاد الأوروبي، وبالتالي، فإن القضايا العالقة بين المغرب وإسبانيا ستظل على وضعها ولن يؤثر عليها القرار الأوروبي في شيء.
ومن اللافت، أن صدور القرار المذكور، تزامن مع إجراء المغرب لمناورات الأسد الإفريقي في الأقاليم الصحراوية بمشاركة عدة دول بما في ذلك بعض دول الاتحاد الأوروبي.
ومن اللافت كذلك، أن ردّ المغرب في هذه المناسبة، جاء قويا وغير آبه بمحتوى القرار؛ ولعل ذلك يعود إلى الشراكات الدولية الجديدة التي انخرط فيها وجعلت وضعه أقوى مما كان عليه في السابق مع الاتحاد الأوروبي بصفة عامة ومع إسبانيا على وجه الخصوص.
ومن الواضح أن جملة المعطيات والظروف التي أحاطت بكيفية إصدار القرار الأوروبي وتوقيته هي ما دفعت العديد من الجهات السياسية والمنابر الإعلامية في إسبانيا إلى الحديث عن إخفاق الدبلوماسية الإسبانية في كيفية تعاطيها مع الأزمة القائمة مع المغرب، ومنها من ذهب إلى حد المطالبة بإقالة من تورّطوا في هذا الإخفاق وعلى رأسهم وزيرة الخارجية ’’أرنشا غونثاليث لايا‘‘.
لقد أظهر الاتحاد الأوروبي في كثير من المواعيد والقضايا الدولية الخارجية عدم قدرته على التعاطي بشكل مؤثر ومنسق بين أعضائه: فمن ملفات الشرق الأوسط، إلى ملف أزمة شرق المتوسط مع تركيا، إلى الملف الليبي، إلى الملف الأوكراني، إلى إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نهاية “عملية برخان” وخروج القوات العسكرية الفرنسية من منطقة الساحل الإفريقي … إلى غير ذلك من الملفات والقضايا، التي أبان فيها الاتحاد الأوروبي عن عجز دبلوماسيته الخارجية أمام نظيراتها الأمريكية والصينية والروسية. وقد زاد هذا العجز توغلا بعد أزمة وباء كورونا، و لاسيما بعد مغادرة المملكة المتحدة للاتحاد وما أحدثه ذلك من شرخ ستبدو آثاره في المستقبل القريب.
لذلك، فإن إقحام البرلمان الأوروبي في الأزمة الدائرة بين المغرب وإسبانيا كان بمثابة ردة فعل غير مدروسة ومحاولة بحث عن دعم دبلوماسي ممن لا يستطيع تقديمه، وذلك بالنظر إلى طبيعة الأزمة ومصالح القوى الدولية في منطقة شمال إفريقيا، بل وتغير موازين القوى في مضيق جبل طارق.
والخلاصة، أن حل الأزمة بين المغرب وإسبانيا يقتضي مواجهة أصلها وتغليب المنطق والواقعية، وتغيير الثقافة السياسية القديمة التي طغت على الإسبان أثناء تعاملهم مع المغرب، والقبول بالتغيرات الحاصلة على الأرض، ومن ثمة البناء على أساس ذلك كله لإقامة علاقات استراتيجية يربح فيها الطرفان.
(الفهرس/سعيد منصفي التمسماني)
مقالات ذات صلة:
ـ أصل الأزمة بين الرباط ومدريد
ـ منظمات إقليمية تطالب بتراجع برلمان أوروبا عن قراره بشأن المغرب
ـ المغرب: توظيف برلمان أوروبا في الأزمة مع إسبانيا ’’مزايدة سياسية‘‘