إذا كانت كلمة ’’فلكلور‘‘ ينصرف معناها إلى مجموع التقاليد الشعبية والعادات الخاصة بثقافة بلد ما، فإن الحملة الانتخابية التي يشهدها المغرب هذه الأيام، يمكن وصفها بـ ’’الفلكلور الانتخابي المغربي‘‘، نظرا لما تحتويه من بصمة شعبية خاصة بالمغرب ومجتمعه وثقافته.
والناظرُ من بُعْد إلى هذا ’’الفلكلور الانتخابي‘‘ ينبهر بألوانه وعروضه، ويُخيَّل إليه من كثرة ما يراه من متنافسين وما يسمعه منهم من انتقادات في حق بعضهم البعض، يُخيّلُ إليه أن المغرب يعيش عرسا ديمقراطيا من الدرجة الأولى.
والحقيقة أن المغرب تقدّم درجات مهمة في سُلّم الديمقراطية، وحاز مكتسبات هامة منذ صدور دستور 2011، إلا أن وضعه الديمقراطي ما زال يتطلب الكثير من العمل، وهو لا يتماشى في أي حال من الأحوال مع الصورة التي تسوقها معظم الأحزاب المغربية.
فالقريب من الشأن السياسي المغربي، يعرف أن اللباس المخصص للديمقراطية في المغرب، هو على قياس المغرب ومكوناته، وأن كثرة الأحزاب السياسية فيه، ليست دليلا على متانة الوضع الديمقراطي، والذين يصلون من هذه الأحزاب إلى مناصب المسؤولية، ينحصر دورهم فقط في تنفيذ البرامج والتوجهات الاقتصادية والسياسية التي تصنعها الدوائر المقربة من المؤسسة الملكية .. هكذا هو المشهد السياسي في المغرب. وبالتالي، فإن تعريف الديمقراطية ضمن هذا المشهد، يقتضي القول، وببساطة، بأنها ديمقراطية مغربية، وبمقاييس وظروف مغربية محضة.
وبصفة عامة، فإن الانتخابات التشريعية والمحلية لشتنبر/أيلول 2021، تتخللها محموعة من السلبيات، ليست وليدة اليوم، إنما هي امتداد لممارسات استعصى على المغاربة تجاوزها.
فغياب البرامج والمناظرات السياسية بين المتنافسين، وتعويض ذلك بالتراشقات اللفظية وبالمواضيع السطحية التي لا تُحْدِث وعيا ولا تُعَبّر عن المشاكل الحقيقية للمغرب، هي السمة الطاغية على الحملة الانتخابية الحالية، التي تحولت، مع الأسف، إلى مجرد ’’فلكلور‘‘ استعراضي يضرب فيه أصحابه بأوراقهم ’’ضَرْبَ القمار إما لهذا وإماّ لذاك‘‘.
ولعلّ أكبر عيب حلّ بهذه الانتخابات، قبل بدء الحملة الدعائية بأشهر، هو تجريدها من بعدها الديمقراطي باعتماد المُشرِّع المغربي للقاسم الانتخابي الجديد الذي أضحى يصاغ بالنظر إلى الأصوات المسجلة وليس الأصوات الصحيحة مع إلغاء شرط العتبة الانتخابية.
وإذا كانت طريقة التمثيل النسبي، قد أعدّها أصحابها من فقهاء القانون والعلوم الاجتماعية، كحلّ ديمقراطي لإعطاء كل حزب تمثيلا يتماثل أو يتناسب مع قوته العددية من حيث الأصوات التي حصل عليها بدل أن يُعطى كل التمثيل للأغلبية (أي النصف زائد واحد)، فإن هذا المفهوم بالذات لطريقة الاقتراع حسب التمثيل النسبي لم يعد قائما بإقرار البرلمان المغربي للقاسم الانتخابي الجديد؛ ومن ثمة يمكن القول، إن انتخابات شتنبر/أيلول 2021 قد حادت عن جوهر الاقتراع النسبي وبُعْده الديمقراطي.
وبالرغم من كل السلبيات التي اقترنت بهذه الانتخابات، ثمة، في المقابل، إيجابيات، نعترف بها، تمثلت أساسا في انخراط عدد مهم من الشباب كفاعلين، سواء على المستوى التمثيلي أو الدعائي؛ بالإضافة إلى نقل السجالات والحوارات الانتخابية إلى منصات التواصل الاجتماعي التي فرضت نوعا من المساواة، لا بأس به، بين المتنافسين. وذلك يعني فيما يعنيه، أن تطور وسائل الاتصال بصفة عامة، أصبح يمثل رقما لا يمكن إغفاله أو تجاوزه، بل إن تأثيره على المجال الانتخابي مرشح أن يزداد بقوة في الاستحقاقات الانتخابية القادمة.
وإذا كانت ثمة حسنة لهذه الانتخابات، فهي بكل تأكيد، إشهار الأحزاب المتنافسة لورقة الاتهام بالفساد المالي في وجه بعضهم البعض، ونعتبر هذا الأمر إيجابيا لأنه جاء ليدعم ما كانت تسطره بعض الأقلام الحرة في هذه البلاد وليرد إليها الاعتبار بعد أن تمت الإشارة إليها بعدة تهم يتَبيّن الآن، ومع ما رأيناه من تراشق بين الأحزاب، أنها تُهَمٌ لم تكن مبنية على أسس صحيحة.
(الفهرس)