تتزايد أعداد الرافضين لقرار الحكومة بشأن ’’جواز التلقيح‘‘ تدريجيا، ومن المتوقع أن يُحدث القرار جدلا واسعا بين الحكومة ومعارضي القرار في الأيام المقبلة.
ويوم الاثنين الماضي قررت الحكومة المغربية، اعتماد ’’جواز التلقيح‘‘ كوثيقة ضرورية للتنقل بين العمالات والأقاليم وللسفر إلى الخارج وولوج الإدارات وبعض المرافق الأخرى، ابتداء من يوم الخميس 21 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وهو ما أثار استياء عدد كبير من المواطنين على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث رأوا فيه إجحافا يطالهم ويمس حقوقهم ومصالحهم الاقتصادية المتأزمة أصلا من تداعيات جائحة كورونا.
كما أن القرار أثار اعتراض جمعيات ومؤسسات ونقابات وأحزاب سياسية ونشطاء حقوقيين اعتبروه مشوبا بعيب الشطط في استعمال السلطة التنظيمية وتجاوز القانون والمبادئ الدستورية المتعلقة بالحقوق والحريات.
ومنذ دخول قرار ’’جواز التلقيح‘‘ الخميس الماضي، عرفت المراكز الصحية في معظم جهات المملكة توافدا غير مسبوق من المواطنين الراغبين في تلقي التلقيح؛ وهو ما يثير مخاوف العديد من المتتبعين والمختصين من تحول أماكن الازدحام إلى مصدر جديد من مصادر نقل الوباء.
الحملة الإلكترونية المعارضة للقرار
كرد فعل على القرار الحكومي بفرض ’’جواز التلقيح‘‘، انطلقت حملة منظمة للتوقيع على عريضة إلكترونية على موقع ’’أفاز‘‘ تحت عنوان: ’’لا لجواز التلقيح بدون نقاش وطني‘‘.
و ’’أفاز‘‘ هو موقع إلكتروني يضم الملايين من الأعضاء، انطلق نشاطه سنة 2007، ويُعرّفه أصحابه بأنه ’’منصة جديدة تمكّن الأشخاص حول العالم من إطلاق حملاتٍ على المستوى المحلّي والوطني والدولي والفوز بها‘‘.
والعريضة الإلكترونية أطلقها ’’ائتلاف مواطنين‘‘، يتقدمهم الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، نبيل بنعبد الله، والأمينة العامة لحزب الاشتراكي الموحد، نبيلة منيب، والبرلمانية السابقة عن حزب العدالة والتنمية، أمينة ماء العينين، وجعفر هيكل، اختصاصي في الأوبئة والأمراض المعدية.
وبعد يومين من انطلاق الحملة الإلكترونية، تعدى عدد التوقيعات 20 ألف توقيع، حسب موقع ’’أفاز‘‘، ومن المتوقع أن يرتفع العدد.
ويقول ’’ائتلاف مواطنين‘‘، إن أعضاءه لا يعارضون، من حيث المبدأ، “جواز التلقيح” عندما يفي بالمتطلبات الوبائية و / أو الاجتماعية و / أو الاقتصادية.
لكنهم يوضحون من خلال مضمون العريضة، أن التلقيح لم يكن قط إجباريا، وبالتالي يؤكدون على عدم فهمهم لقرار فرض “جواز التلقيح” وتقييد حرية المواطنين في التنقل والتضييق على حقوقهم دون أي إشعار مسبق أو آجال معقولة، ودون نقاش وطني حول القضية.
ونبّه ’’ائتلاف مواطنين‘‘ من أن ’’تقسيم المواطنين دون سابق إشعار بين ملقحين وغير ملقحين ليس من المرجح أن يحقق أهداف الأمن الصحي في مكافحة كوفيد-19‘‘.
وحذّروا من خلال العريضة، من خطر التدافع أمام مراكز التلقيح اعتبارًا من يوم الخميس ومن تأثيره العكسي ومخاطره الصحية.
وطالبوا بتأجيل فرض جواز التلقيح إلى غاية فتح نقاش وطني حوله وتقييم الشرعية القانونية للقرار وموافقته للمبادئ الدستورية، ومستوى تأثيره على حريات المواطنين المغاربة وحقوقهم الأساسية.
تزايد الرافضين للقرار الحكومي
يتزايد الرافضون للقرار الحكومي المتعلق بـ ’’جواز التلقيح‘‘ يوما بعد يوم، ليس من حيث المبدأ، وإنما من حيث الشكل والكيفية والتداعيات والآجال المحددة في القرار، ويعتبرونه غير قانوني، ومنافيا لأحكام الدستور بتضييقه على حريات المواطنين وحقوقهم الأساسية دون سند شرعي.
وانخرطت في مسار الرفض عدة جمعيات مدنية، ونقابات، ومواطنون أبدوا انزعاجهم من القرار الحكومي على وسائل التواصل الاجتماعي.
كما دعت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان الحكومة، من خلال بلاغ أصدرته، إلى الإلغاء الفوري لقرار اعتماد جواز التلقيح للتنقل ودخول المؤسسات العامة والخاصة. واعتبرت أن القرار يعد ’’حجرا على الحقوق وتضييقا على الحريات بفرض جواز التلقيح، والذي يمس حقوقا دستورية جوهرية‘‘.
وانضمت بعض الأحزاب السياسية إلى الإعلان عن رفض قرار فرض ’’جواز التلقيح‘‘، حيث أصدرت ثلاثة أحزاب بياناتها في الموضوع، وهي: ’’الاشتراكي الموحد ‘‘، و ’’التقدم والاشتراكية‘‘، و ’’العدالة والتنمية‘‘.
وتصدت الأمينة العامة لحزب ’’الاشتراكي الموحد‘‘، نبيلة منيب، بحدة للقرار الحكومي. وأصدر حزبها بيانا أدان من خلاله قرار فرض ’’جواز التلقيح‘‘، معتبرا أنه اتُّخذ خارج مقتضيات الدستور، ومُستنكرا ما سماه بــ ’’استمرار الدولة في ضرب مبادئ حقوق الإنسان عبر فرض إجبارية التلقيح بشكل تعسفي…‘‘.
وطالب البيان، المسؤولين على قطاعي الداخلية والصحة باحترام مبادئ الدستور وضمنها مبدأ الحق في الحصول على المعلومة، ومنها كافة المعلومات المتعلقة بوباء كورونا.
وأعلنت منيب، على صفحتها في الفيسبوك، أنها سترفض الإدلاء بـ ’’جواز التلقيح‘‘ لولوج البرلمان، وقالت إنها ’’متخوفة مما يتم تحضيره من وراء فرض هذا الجواز.
وفي فيديو، اشتكت الأمينة العامة ، عدم توفير الحكومة للمعلومات الكافية؛ واعتبرت أن الهدف المضمر من القرار يكمن في رغبة الدولة في ’’المرور بسرعة وكثافة إلى تلقيح المغاربة بجرعة ثالثة‘‘، بالرغم من أن هذه الجرعة، حسب ما ذكرت، هي موجهة في البلدان الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية فقط إلى الذين لديهم ضعف في المناعة.
ثبات الحكومة المغربية على قرارها
الحكومة المغربية أكدت أن أن لجوءها إلى إقرار ’’جواز التلقيح‘‘ جاء في سياق محاربة الجائحة والحفاظ على المكتسبات التي حققها المغرب على مستوى الحالة الوبائية.
وقد بدأ سريان القرار منذ الخميس الماضي دون إبداء أي نوع من التراجع بشأن مضمون القرار.
وفيما يخص عملية تفعيل مراقبة حمْل ’’جواز التلقيح‘‘، أوضح وزير الصحة، خالد أيت الطالب، في حوار مع الإذاعة الوطنية، الأربعاء الماضي، أن ذلك سيكون من مسؤولية أرباب العمل وليس السلطات العمومية.
وأعلنت وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، في بلاغ صدر أمس الجمعة، عن إمكانية استخراج جواز تلقيح مؤقت مباشرة بعد تلقي الحقنة الأولى من اللقاح المضاد لفيروس كورونا المستجد، وذلك ابتداء من يوم الإثنين 25 أكتوبر 2021.
وأوضح البلاغ، أنه بإمكان أصحاب ’’جواز التلقيح المؤقت‘‘، الحصول على جواز التلقيح الكامل بعد تلقيهم الحقنة الثانية عقب مرور 28 يوما، كما أنه بإمكان المواطنين الحصول على ’’جواز التلقيح المحين‘‘ بعد تلقيهم الحقنة الثالثة، أي بعد مرور ستة أشهر على تلقيهم الحقنة الثانية.
كيف يمكن الطعن قضائيا في قرار ’’جواز التلقيح‘‘؟
يبني الرافضون لقرار الحكومة المتعلق بـ ’’جواز التلقيح‘‘ طرحهم على عدم مشروعية القرار، أي عدم موافقته للقانون وللمبادئ الدستورية بشأن ممارسة المواطنين لحرياتهم وحقوقهم الأساسية.
ويعتبرون أن السلطة التنفيذية، بقرارها التنظيمي هذا، تجاوزت اختصاصاتها وتطاولت على اختصاص السلطة التشريعية، لا سيما وأن قرارها المتعلق بـ ’’جواز التلقيح‘‘ لا يستند إلى تشريع سابق ولا يستمد وجوده من قانون يتعلق بإجبارية التلقيح أقره البرلمان؛ وبالتالي لا يجوز للسلطة التنفيذية أن تحل محل السلطة التشريعية.
وتنص الفقرة الثانية من الفصل 118 من الدستور على أن ’’كل قرار اتخذ في المجال الإداري، سواء كان تنظيميا أو فرديا، يمكن الطعن فيه أمام الهيئة القضائية الإدارية المختصة‘‘.
ويكتسي البلاغ الحكومي بشأن ’’جواز التلقيح‘‘ طابعا تنظيميا، وبالتالي يمكن الطعن فيه عن طريق ’’دعوى الإلغاء‘‘ أمام القضاء الإداري.
وفي هذه الحالة، تكون محكمة النقض هي الجهة المختصة بالبت ابتدائيا وانتهائيا في طلبات الإلغاء بسبب تجاوز السلطة المتعلقة بالقرارات التنظيمية الصادرة عن رئاسة الحكومة أو تلك القرارات الإدارية التي يتعدى نطاق تنفيذها دائرة الاختصاص المحلي لمحكمة إدارية، حسب ما نص عليه القانون المحدث للمحاكم الإدارية.
وبشكل عام، فإن عيوب ’’المشروعية‘‘ التي تشوب القرار التنظيمي المراد الطعن فيه، قد تتعلق بإحدى عناصر القرار الخمسة، وهي: ’’الاختصاص‘‘، ’’الشكل‘‘، ’’الغاية‘‘ أو ما يعرف بانحراف السلطة، ’’السبب‘‘، و ’’المحل‘‘.
وتعد ’’دعوى الإلغاء‘‘ من أهم الإجراءات القضائية التي يلجأ إليها المتضررون من القرارات الإدارية للدفاع عن حقوقهم وحمايتها.
ويحدد المُشرِّع ميعاد رفع ’’دعوى الإلغاء‘‘ في ستين (60) يوما، تبتدئ منذ اليوم الأول من نشر القرار، بالنسبة للقرارات التنظيمية.
ولا يترتب على تقديم دعوى الإلغاء وقف تنفيذ القرار، إلا إذا تطلبت الضرورة ذلك، وبطلب من رافع الدعوى.
ويظل القاضي الإداري في دعوى الإلغاء محاصرا في حكمه بين اختيارين: الحكم بإلغاء القرار أو رفض طلب الطعن فيه، لكنه ليس ملزما بإلغائه كلية، حيث بإمكانه إلغاء جزء فيه.
هذا، وقد أعلنت الأمينة العامة لحزب ’’الاشتراكي الموحد‘‘ عزم حزبها على الطعن في قرار الحكومة أمام القضاء الإداري، وقالت إنه تم البدء في التعاطي مع الموضوع مع المحامين.
(الفهرس/سعيد منصفي التمسماني)